+ A
A -
من العوامل التي أشرنا اليها في المقالات السابقة والتي ستؤدي إلى تغييرات ضخمة في سوق العمل المستقبلي -بالإضافة إلى التقدم التكنولوجي-هو عامل التغييرات الديموغرافية والتي ستنشأ بسبب تصاعد متوسط العمر المتوقع للأفراد. التغير في متوسط الأعمار بالزيادة سيزيد من الفترة التي سيشترك فيها الفرد في سوق العمل. بمعنى انه ستتأخر السن التي سيقدم فيها الفرد على التقاعد.
دعنا نضرب مثالا حيّا من السوق العالمي الآن وبحسب آخر الإحصاءات التي تصدرها منظمه الصحة العالمية وتعضدها أبحاث الزملاء الديمغرافيين: متوسط العمر المتوقع الآن للفرد الذي على مشارف الخامسة والسبعين هو ثمانون عاما. اما الأفراد الذين بين الثلاثين والخمسين عاما فالمتوقع ان يعيشوا حتى سن التسعين. ولكن بالنسبة لجيل الشباب الحالي بين سن السادسة عشر والثلاثين، فهناك تأكيدات من مصادر ديموغرافية متعددة بأنهم سيعيشون مائه عام! والسؤال هنا ما تأثيرات تلك التغيرات اولا على سن التقاعد المرتقب؟ وكذلك على ما سيقوم به الأفراد من قرارات استهلاكية وادخارية لمواجهه والاعداد لمرحله التقاعد؟
في الوقت الحالي يقوم الفرد الموجود بسوق العمل بادخار 5% من دخله السنوي حتى يتقاعد عند سن الخامسة والستين. اما الجيل الجديد الذي سيعمر حتى سن المائة، فَلَو أراد ان يتقاعد عند الخامسة والستين كمن سبقوه، فعليه ان يدخر ما يوازي 40% من دخله! ولان ذلك سيكون غير واقعي ولن يتماشى مع متطلبات ونفقات الحياة، فمن المتوقع ان يظل هذا الجيل يعمل حتى أواخر السبعينات ومشارف الثمانينات من عمره المئوي. هذا الامتداد في الحياة العملية للفرد بحوالي خمسة عشر عاما معناه ان تزداد الحاجة لخلق فرص عمل جديدة بنفس نسبه الازدياد للعمر العملي المتوقع (اَي حوالي 25%).
ولكن الامر الأكثر اثارة ان المراحل التي يمر بها الانسان في حياته (المراحل الحياتية) والتي تتكون من ثلاث مراحل: تعليم اولا، عمل ثانيا، وتقاعد ثالثا، يمكن ان تتغير. ذلك ان طول عمر الانسان سيجعله يفكر في اضافة مرحله رابعة والتي يمكن أن نسميها مرحلة «التوقف والاستطلاع والاستمتاع». هذه المرحلة الرابعة ستأتي بعد مرحلة التعليم وسيتوقف فيها الافراد ليفكروا فيما يمكن أن يفعلوه بعد مرحلة التعليم. هل سيبدؤون في إنشاء المشاريع الخاصة الصغيرة؟ أم سينخرطون في اعمال السحب البشرية؟ وهل سيكتفون بوظيفة واحدة ام سيعملون في أكثر من وظيفة في نفس الوقت؟
ولعل هذا التغير قد بدأ من الآن. فنحن نشاهد كثيرا من الشباب بعد تخرجهم يأخذون فترة راحة. في عام 2013 سألت أحد طلبتي المتفوقين الذين كانوا على وشك التخرج من جامعه ولاية اوهايو ببكالوريوس الاقتصاد: ماهي خطتك للعام القادم؟ ففوجئت بالإجابة (لا شيء). واستطرد ليوضح انه يعقد النية على أن يقوم في العام التالي (2014) بالاستراحة كما أنه سيقوم ببعض السفريات داخل وخارج أميركا. وعلمت منه انه استطاع الحصول على قرض لهذا الغرض! وفِي عام 2015 أرسل لي هذا الطالب النابه ليخبرني بأنه يقوم بإعداد خطه عمل لمشروع خاص مع اثنين من زملائه سيستفيدون فيه من معرفتهم بزميل هندي اثناء الدراسة لانشاء شركه تستخدم العمالة الهندية الرخيصة والمدربة على الكمبيوترية لتقديم خدمات تكنولوجية/ طبية للمستشفيات الأميركية. المهم ان هذا الشاب نفذ ما خطط له وهو منذ عام شريكا لشركه واعده في هذا المجال. اما العمل بأكثر من وظيفة فهذا تتيحه المنصات الإلكترونية الجديدة. فهناك من يعمل في ثلاث وظائف الآن فتراه يخرج من عمله الحكومي أو الخاص ليقوم بالعمل على سيارته مع شركة اوبر أو كريم وفِي نفس الوقت يؤجر غرفة من منزله لشركة أر ان بي ان أكبر شركة للفندقة في العالم.
المهم الآن هل استعدت أسواق العمل وأنظمة التقاعد لهذه التغيرات الوشيكة؟ الإجابة بالنفي بالطبع. مازالت جميع الشركات والمؤسسات مصممة للعامل الذي ينوي التقاعد عند الستين في بلادنا أو الخامسة والستين في البلاد الأكثر تطورا.
بقلم : د. حسن يوسف علي
copy short url   نسخ
15/11/2017
2469