+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي عضو هيئة التدريس بقسم القرآن والسنة في جامعة قطر

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

الطغيان مأخوذ من مادّة (ط غ و/ ي) الّتي تدّل على مجاوزة الحدّ في العصيان، قال الخليل: وكلّ شيء يجاوز القدر فقد طغى، مثلما طغى الماء على قوم نوح (فأغرقهم)، وكما طغت الصّيحة على ثمود (فأهلكتهم). والاسم من ذلك: الطّغوى، قال تعالى: ( كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) أي لم يصدّقوا إذ خوّفوا بعقوبة طغيانهم، أمّا قول الله تعالى: (إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى) فتنبيه على أنّ الطّغيان لا يخلّص الإنسان، فقد كان قوم نوح أطغى منهم (أي من كفّار قريش)، فأهلكوا، والطّاغوت عبارة عن كلّ متعدّ، وكلّ معبود من دون الله، وقد سمّي به السّاحر والكاهن، والمارد من الجنّ، والصّارف عن الخير، واللّات والعزّى (من أصنام العرب) والشّيطان، وكلّ رأس ضلال، والأصنام، ومردة أهل الكتاب، ويستعمل واحدا وجمعا مثال الأوّل قوله تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ)، ومثال الآخر قوله عزّ وجلّ: (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ)، أمّا الطّاغية فيراد به معانٍ عديدة، منها: ملك الرّوم، والصّاعقة، وصيحة العذاب، والجبّار العنيد، والأحمق المستكبر الظّالم، والّذي لا يبالي ما أتى، يأكل النّاس ويظلمهم ويقهرهم، أمّا معنى الفعل (طغى) فإنّه يرتبط بالسّياق الّذي يرد فيه فقولهم: طغى البحر، هاجت أمواجه، وطغى الدّم تبيّغ، وطغى السّيل: أتى بماء كثير، أمّا قولهم: أطغاه المال فالمراد جعله طاغيا، أمّا طغيان العلم والمال الوارد في حديث وهب (بن منبّه): «إنّ للعلم طغيانا كطغيان المال» فالمراد بذلك كما يقول ابن الأثير: أنّ العلم يحمل صاحبه على التّرخّص بما اشتبه منه إلى ما لا يحلّ له، ويترفّع به على من دونه، ولا يعطي حقّه بالعمل به، كما يفعل ربّ المال، وقول الله تعالى: (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً)، فالمراد بالطّغيان، أن يزدادوا كفرا إلى كفرهم، والطّغيان في قوله تعالى: (وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) يراد به البغي والظّلم، وقيل: الكفر والضّلال، وطغيان فرعون إسرافه في دعوى (الألوهيّة) حيث قال: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى)، وطغيان الماء في قوله تعالى: (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ)، استعارة لارتفاعه وتجاوزه الحدّ، أمّا الطّغيان في حديث خزيمة «وأنا مقرّ بالقرآن، كافر بالطّغيان» فالمراد به كما يقول ابن الأثير: مخالفة سنن الإسلام وحدوده.

وقال العلّامة ابن القيّم: الطّاغوت: كل ما تجاوز به العبد حدّه من معبود أو متبوع أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله.

أما الفرق بين الطغيان والبغي والعدوان والعتو، هذه المصطلحات متقاربة إلى حدّ كبير بيد أنّها ليست واحدة، فالطّغيان مجاوزة الحدّ الّذي كان عليه من قبل، ويكون ذلك في المعاصي، أمّا العدوان فهو تجاوز المقدار المأمور به، أمّا البغي فهو طلب تجاوز قدر الاستحقاق تجاوزه أو لم يتجاوزه، ويستعمل في المتكبّر لأنّه طالب منزلة ليس لها بأهل.

أمّا العتوّ فيتضمّن الاستكبار إلى جانب مجاوزة الحدّ، وقد يستعمل في مطلق التجبّر ولو في غير المعصية.

فالطغيان صفة من صفات الكفّار والمنافقين، تستوجب غضب الله والعباد،

ومن اتّبع طاغية في الدّنيا فإنّه يتبعه يوم القيامة. فالطّغيان أيضًا إفساد للمجتمع وهلاك للأمم، فيه خسران في الدّنيا وفي الآخرة، وكذلك طغيان العلم يورث الكبر والعجب وغيرهما من أمراض القلب. وطغيان المال يشغل الإنسان ويلهيه عمّا يجب عليه للآخرين، وهو نذير شؤم لأهله في الدّنيا، ولا يغني عنهم فتيلا في الآخرة.

copy short url   نسخ
12/09/2023
290