كان من الواضح لكل المراقبين في منطقة الخليج العربي، أن خطاب الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت، وشخصية الوساطة الأولى في قضية الأزمة الخليجية واستهداف قطر، الذي ألقاه في مجلس الأمة الكويتي مؤخراً، قد حمل منعطفا مهماً لم يُسمع سابقاً منه، خاصة أن الشيخ صباح قد تحمّل الكثير من العنت والحملات التي وُجهت له وللكويت، ومع ذلك واصل مساعيه الحثيثة لمحاولة خرق جدار الأزمة الذي تتمسك به دول المحور.
وحينما نقول إنه قرار فنقصد به هذا المعنى تماماً، أي أن الشيخ صباح حينما وثّق هذه الفقرة في خطابه، وراجعها مع مستشاريه، فهو قد قرر ذلك لهدف محدد رأى أن توقيته ضروري ولا يمكن إغفاله، ومع ذلك فقد بعثت الكويت رسائل بعد هذا الإنذار، تشير إلى أنها ستواصل مهمتها الخليجية، فلماذا وجه الشيخ صباح هذا الإنذار؟
كلمة الشيخ صباح جاءت بعد نهاية جولته الأخيرة وخاصة زيارة الرياض، وبالتالي من الواضح أن أجواء الزيارة لم تكن إيجابية، بعد تواصل التصعيد على الكويت في الإعلام السعودي، وقد كان سابقاً ولمدة طويلة يغذّى من مصادر أبو ظبي، يعني أن الشيخ صباح لم يجد تجاوباً، والمسألة الثانية أن فرصة عقد قمة الكويت لمجلس التعاون الخليجي، لم تعد واردة في ديسمبر، وهناك رابط مهم جداً بين حديث الشيخ صباح وإشارته الواضحة لرفض جهوده، وبين تذكيره بمظلة مجلس التعاون الخليجي.
وهذا يُقرأ منه أن الأمير تلقى ما يكفي من موقف، لرفض واضح لعقد القمة الخليجية، وليس ذلك وحسب، وإنما هناك ما يُشير إلى عدم رغبة دول المحور في استئناف مسيرة المجلس، بحكم أن نظامه القانوني لا يسمح بإخراج قطر، إضافة إلى رفض الكويت ومسقط ذلك.
وعليه وبرغم أن مقر المؤسسة الخليجية في الرياض، وللمملكة خصوصية كبيرة في حراك الأمانة العامة وكل مؤسسات المجلس، الا أن من الواضح أن الشيخ صباح، أدرك أن المجلس سيستمر تعطيله، ضد الوساطة الكويتية، وضد أي مظلة تجمع قطر بأشقائها.
ورسالة الشيخ صباح الذي بلّغ فيها الإنذار الأخير، كانت موجهة لعدة اطراف، لكن أبرز طرفين هما: دول المحور الرافضين للمفاوضات ولأي حل سلمي سيادي، والولايات المتحدة الأميركية بشقيّها، طرف مؤسساتها، وطرف الرئيس ترامب وفريقه الخاص شخصيا، وقد كان من الواضح أن الشيخ صباح الأحمد الذي أعلن للعالم رسميا، ومن واشنطن تحديداً، أن جهوده السابقة قد نجحت بالتنسيق مع المؤسسات الأميركية، وبعد نشر القوات التركية في قطر، بتنحية العمل العسكري، عاد ليذكر بهذا الخطر ويصفه بالدمار الكبير، ويشير لمسؤولية الرسائل الأميركية في كل هذا التطور.
ويستبق كتابة هذا المقال مقابلة مهمة تعرضها CBS الأميركية لصاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، نقلت مصادر الـ CBS، عن الأمير تأكيد ترامب له شخصيا في لقاء نيويورك السابق، رفض الرئيس الأميركي العمل العسكري في أزمة الخليج العربي، واقتراحه الذي لم يستجب حتى اليوم، ببدء مفاوضات كامب ديفيد لحل الأزمة الخليجية، فما علاقة خطاب رسائل الشيخ صباح بهذا الموقف.
إن من الواضح أن الطرف الأهم الذي وجه له إنذارا الشيخ صباح، هم الأميركيون أنفسهم، ورغم اختلاف الموقف بين المؤسسات الأميركية وبين ترامب وفريقه، خاصةً المستشار المشترك بينه وبن ابوظبي ستيف بانون، أو صهره وأحد أبرز المقربين من سياسة ترامب الخليجية جاريد كوشنير، إلا أن الجميع شريك في لعبة الابتزاز.
فهذا الرهان اليوم يقوم على ابتزاز متدفق تحصد منه واشنطن عبر تطويل الأزمة، وتتفاقم خسائر الخليج والوطن العربي، في تعزيز نفوذ قواعدها العسكرية، رغم فشلها في تأمين شركائها، وأيضا اضطراب خططها أمام إيران وموسكو، إلّا أنها أي واشنطن لا تبدي أي تحرك قوي لوقف التصعيد، فضلاً عن الحل.
فرسالة الشيخ صباح التي فيها تحميل واضح لمسؤولية دول المحور، عن عدم التجاوب مع مساعيه، تقول أيضاً للأميركيين أن موسم ابتزازكم المستمر، الذي قد يُفضي اليوم إلى هدم المؤسسة الخليجية، سوف يتطور في ظل هذا التصعيد، الذي يضرب في النسيج الخليجي، ولا يزال يقطع بين أهل الأرحام، ويستعيد أجواء العمل العسكري.
إنه معقل الفكرة الرئيسية في الإنذار الكويتي، وهو يُسفر عن واقع الإقليم المروع وتلاعب المصالح الأميركية به، وهي ذات المصالح التي كانت تدعم التدمير لسوريا عبر النظام الأحمق وللعراق، وفيما تقوّت إيران كلاعب ندي لواشنطن، يستمر الخليج في نزفه وخسائره.
ودخول إسرائيل اليوم كطرف في المشهد الخليجي، وفي مستقبل ما بعد مجلس التعاون، ليس اختراق تطبيعي تكررت محاولاته قبل سنوات، وإنما هذه المرة مشروع يُدفع بقوة، ليكون شريكا حيويا في خريطة الخليج السياسية الجديد، وفي الحرب على الفكر الإسلامي الصحيح وليس التطرف فقط.
وهي حرب تواجه القسطاط المعتدل لهذا الفكر، الذي حوصر سنوات تحت صفقات المواسم الرسمية مع التطرف، فلعبة التطرف ذات شقين، لعبة بدعمه ولعبة باسم حربه، وفي كلتا اللعبتين كان الانسان والسلام والعدالة في الشرق هم الضحايا.
مسطرة بدأت في الشرق الأفغاني وتزحف للغرب، وها هي اليوم في قلب الخليج العربي، يغذّيها التوتر وغياب الشراكة الشعبية والعدالة الاجتماعية، وحبل واشنطن دائما قصير وقت الفتن، فهل سيُسمع صوت الإنذار الكويتي قبل ضحى الغدٍ.


بقلم : مهنا الحبيل
مدير مكتب دراسات الشرق