+ A
A -
دون الاتفاق على أن نهاية تنظيم «داعش» في سوريا باتت قريبة أكثر من أي وقت مضى، لا يمكن الادعاء بأن الحل السياسي بات على الأبواب، وذلك بحكم التعقيدات الصعبة القائمة ليس في مواقف الأطراف الإقليمية وحدها، بل في مواقف القوى المحلية سواء على صعيد المعارضة أو التباينات بين مكونات المجتمع السوري وما ترمي إليه من توجهات استقلالية.
مؤخرا تم إعلان تحرير الرقة رسميا من جانب قوات سوريا الديمقراطية، وهي المدينة التي اتخذها «داعش» منذ 2014 عاصمة لدولة الخلافة الإسلامية التي كان يسعى إلى إقامتها.
وما صدر عن المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية في مؤتمر إعلان تحرير الرقة أشار بوضوح إلى أن تجربة تحرير المدينة تؤسس لتوجيه سوريا نحو خيار الفيدرالية بوصفه التصور الأمثل لشكل الحكم في المستقبل.
خيار الفيدرالية لم يكن بعيدا عن كل الأطروحات التي أثيرت منذ بداية الأزمة السورية كبديل لتقسيم البلاد، ولكنه وجه بانتقادات جعلته خيارا صعبا إن لم يكن غير مرغوب فيه استنادا إلى أن التباينات المجتمعية والمذهبية والجغرافية التي طرحت مبررا لاختيار هذا الحل الفيدرالي لم تكن قوية.
ولا شك أن موقف قوات سوريا الديمقراطية المؤكد على أهمية خيار الفيدرالية قد أعاد الفكرة إلى النور مجددا من منطلق فيدرالية الأمر الواقع التي تتواجد فعلا في بلدان أخرى تعانى من انقسامات داخلية وهو خيار يحدث لدواعٍ سياسية أكثر من أن تكون له أسس قانونية أو دستورية، وحالة الرقة نموذج لذلك، ولكن بالمقابل فإن النظام السوري من جهة وأطراف إقليمية وروسيا من جهة أخرى يرون في مطالبة قوات سوريا الديمقراطية بالفيدرالية مؤشرا على تقسيم البلاد لا على توحيدها.
ومن وجهة نظرهم أن تطورا كهذا برغم أهميته إلى أن مضمون دعوته جاء متزامنا مع تمكن النظام من استعادة أجزاء كبيرة من تنظيم «داعش»، أي أنه يعزز بذلك تمسكه بوحدة البلاد سياسيا ولا يقبل بخيارات أخرى غير الحكم المركزي.
كما أن ثقل المكون الكردي في هذه القوات أقلق الجيران كثيرا. وبعد أن انحازت السليمانية لموقف بغداد فيما يتعلق باستفتاء تقرير المصير ووضع كركوك، لاحت مؤشرات الانقسام داخل المكون الكردي الجامع، بما يعنى أن التقسيم أصبح حاضرا بقوة بدوره في المشهد السياسي العام. ناهيك عن الدور الأميركي في المستجدات على خلفية تحرير الرقة، فقد حدث التحرير بينما لا يوجد توافق بين كل من روسيا والولايات المتحدة بالنسبة لتطورات تقدم قوات النظام السوري المدعومة بالطبع من موسكو. كما تزامن تحرير الرقة مع قلق روسيا من أن تتحول مناطق خفض التصعيد التي تشكلت في الشهور القليلة الأخيرة في عدة مناطق توتر سورية إلى أمر واقع بالانفصال أو التقسيم!، وهذا ما عبر عنه الرئيس الروسي نفسه خلال مشاركته في منتدى «فالداي» الدولي للحوار.
هكذا مثلما هناك مؤشرات تدفع في اتجاه الحل الفيدرالي، هناك مؤشرات مضادة تدفع في اتجاه التقسيم.
هنا أضاف الرئيس بوتين مخرجا جديدا للأزمة، وذلك عندما قال في المنتدى المذكور إن هناك فكرة لحل الأزمة السورية مؤداها «تأسيس كونغرس شعوب سوريا» تشارك فيه كل المجموعات العرقية والدينية والحكومة والمعارضة. ومع أنه لم يوضح الهدف من هذه الفكرة الجديدة إلا أنها على ما يبدو تسعى إلى التوصل للأسس التي تقبل بها كل هذه الأطراف باعتبارها تمثل تصور الشارع السوري بكل أطيافه، على أن يأخذ الدستور الجديد بهذا التصور. هذا الخيار الثالث يتجاوز بالطبع خياري التقسيم والفيدرالية وينقل القضية إلى سياق مختلف تماما ظاهره الوقوف عند إرادة الشعب السوري والاحتكام إليها، ولكن حقيقته هي إعادة إنتاج النظام السوري.. هكذا تنقلنا الأزمة السورية من عقدة إلى أخرى دون أن تتضح معالم فك أي منها، بما يعنى أنه مقدر لها أن تطول وتزداد تعقيدا.

بقلم : عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
28/10/2017
2642