+ A
A -
نتابع بشكل شبه يومي عقد صفقات سلاح بين الدول التي تحتاج السلاح أو تكدسه وبين الدول المنتجة التي لا تحتكر إنتاج وتجارة الأسلحة المتقدمة فقط وإنما تحتكر القوة أيضا لأنها تحتكر أهم عناصرها، لكننا في العادة لا نرصد ما يجري وراء الكواليس من مفاوضات حول هذه الصفقات بعضها يكون شاقا ويصل إلى مرحلة التعثر في إتمام الصفقة وبعضها يدور فقط حول مبالغ السمسرة التي يحصل عليها المسؤولون الفاسدون الذين يقومون بعقد هذه الصفقات وطريقة الحصول على العمولات، لكن الصفقة التي عقدتها تركيا مع روسيا من أجل شراء منظومة «إس 400» للدفاع الصاروخي والتي تمر بمفاوضات عسيرة الآن كشفت بعض ما يجري وراء صفقات السلاح من مفاوضات تتعلق بالجانب التقني وليس بالجانب الفاسد، حيث تصر تركيا على الإنتاج المشترك للمنظومة وأن يسمح للخبراء الأتراك بالحصول على النظام الداخلي للأنظمة الدفاعية للمنظومة وهذا يعني حصول الأتراك على كل الأسرار العسكرية للتصنيع والصيانة وليس فقط الشراء والسماح للروس بالصيانة وتثبيت المنظومة والاحتفاظ بأكواد المصدر وكلمات السر والرموز الإلكترونية كما يفعل الروس وكما يفعل الأميركان والفرنسيون والغربيون بشكل عام مع الدول التي تشتري الأسلحة، وقد كشف الدكتور مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي الأسبق في حواري المطول معه حول شهادته على العصر والذي سيبث قريبا إن شاء الله على شاشة قناة الجزيرة أن أحد الخلافات الرئيسية بينه وبين الأميركان حينما كان رئيسا للوزراء هو أن الأميركان حينما كانوا يبيعون طائرات إف 18 لماليزيا كانوا يرفضون تسليم أكواد المصدر والرموز الإلكترونية للماليزيين وهذا يعني تحكم الأميركان في الطائرات وتعطيلها في أي وقت أو منعها من ضرب أية أهداف لا تريدها الولايات المتحدة، ويبدو أن هذا ما يجري في كل صفقات السلاح التي تبيعها أميركا لحلفائها باستثناء إسرائيل، كما أن كثيرا من منظومات الصواريخ ترفض الولايات المتحدة والدول الغربية حتى تدريب جنود من الدول التي تشتريها على استخدامها بل إنها تبيعها وتبقي هي التي تقوم بتشغيلها وصيانتها مما يعني احتفاظها بكل أسرار التصنيع والرموز الإلكترونية ويبقى المشترون على جهل تام بكل تعقيدات الأنظمة وإذا حاولوا يوما استخدامها لا يستطيعون، وحساسية صفقة «إس 400» هي أن تركيا أول دولة في حلف الأطلسي تعقد صفقة صواريخ متقدمة مع دولة من خارج الحلف، لكن روسيا التي تراهن أيضا على الاستفادة من التقدم التكنولوجي العسكري التركي في مجالات مختلفة تعتقد أن الصفقة في صالحها أيضا، لكن تبقى قضية التفاوض على الإنتاج المشترك والحصول على أسرار التصنيع هي محل الخلاف بين البلدين حتى الآن، وقد قامت تركيا بتصنيع الطائرات بدون طيار حينما اكتشفت أن إسرائيل التي كانت تبيعها هذه الطائرات كانت تتحكم فيها من بعد وكانت ترصد كل طلعاتها وتحصل على كل ما تقوم به من عمليات تصوير وتجسس لذلك قررت تركيا وقف استخدام الطائرات الإسرائيلية والإنتاج بنفسها.
إذن فأهم أسرار صفقات السلاح ليس شراءه وإنما الحصول على أسراره التكنولوجية وكيفية تشغيله وصيانته بعيدا عن الدول المنتجة فهل تفعل الدول العربية التي تعقد الصفقات كل يوم ذلك؟
بقلم : أحمد منصور
copy short url   نسخ
12/10/2017
6737