+ A
A -

لا يمكن أن ننكر حقيقة ثابتة اليوم وهي أن المشهد العربي بصدد إعادة التشكّل خلافا لما شهده خلال السنوات العشر الماضية.

لا يعني هذا الإقرار تحولا كليا فيه بقدر ما يعني أن معطيات كثيرة داخله بصدد التغير والانعطاف. وهو ما يبرز من خلال ثلاث واجهات أساسية.

أما الواجهة الأولى فتظهر في تغير التحالفات العربية وانحسار حالة الاحتقان التي سادت بسبب ثورات الربيع وما أعقبها من أطوار العنف والعنف المضاد.

أما الواجهة الثانية فيمكن تبيّنها من خلال بؤر التوتر الجديدة على الساحة الدولية وأهمها الحرب الروسية - الأوكرانية وما خلفته من أزمات وحركته من تحالفات داخل أوروبا وخارجها.

كما يضاف إلى هذه الواجهة ما تشهده القارة الإفريقية من صراعات خفية ومعلنة بين القوى الاستعمارية القديمة والصاعدة والتي تبدو في أحيان كثيرة امتدادا للصراع الروسي - الأميركي.

وتظهر الواجهة الثالثة في تحوّل المشاريع الإقليمية للقوى المحيطة بالمنطقة والمتمثلة أساسا في المحور الإيراني والمحور التركي والمحور الصهيوني إن أمكن الحديث عن محور في الحالة الأخيرة. وهي مشاريع تتفق في خاصية مشتركة تتمثل في الصراع على المنطقة العربية وعلى النفوذ داخلها.

هاته المعطيات مجتمعة تحدد اتجاهها وضعيةُ الحالة العربية التي لا تزال رغم ما يبدو عليها في الظاهر من أسباب التعافي تعاني من أزمات خانقة. لا يقتصر الأمر هنا على مناطق النزاع في سوريا والسودان واليمن تحديدا بل يمتد ذلك إلى وضعيات اجتماعية واقتصادية قابلة للانفجار في كل حين مثلما هو الحال في لبنان وتونس والعراق خاصة.

من جهتها تعاني دول الخليج من الضغط الخارجي بسبب تحولات المحاور المحيطة بها من جهة وخوفها من انفجار بعض الأحزمة الإقليمية مثلما هو الحال في اليمن بشكل قد يرتدّ عليها ويهدد استقراراها.

هذا الوضع الدقيق يوجب على النظام الخليجي بشكل خاص أن يتجاوز الخلافات الداخلية بأسرع وقت ممكن وأن يباشر في الاتفاق على الحدّ الأدنى من الأهداف المشتركة التي تمنع الانزلاق نحو ما وقعت فيه بعض المنوالات العربية.

بناء عليه فإن الثروة التي هي مصدر استقرار الداخل الخليجي ليست الضامن الوحيد لبقاء الحال على ما هو عليه بل إنها قد تتحول في حالات أخرى إلى محرك للأطماع الخارجية كما حدث في فترات متباينة من تاريخ المنطقة.

الخليج اليوم مفتاح كثير من الحلول الإقليمية.. لكنه مشروط حتميا ببقائه موحدا ومتماسكا.

محمد هنيد أستاذ محاضر بجامعة السوربون

[email protected]

copy short url   نسخ
03/08/2023
30