+ A
A -

تعيش الجزائر وتونس على وقع أخبار الحرائق التي تعصف بمناطق شاسعة من الغابات والجبال والمحميات والأراضي الخضراء خاصة في المنطقة الواقعة على الحدود الشمالية بين البلدين.وتقف الحكومة في كلا البلدين عاجزة عن التدخل الناجع أو التحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من السكان خاصة ومن المواشي والمنقولات وهو الأمر الذي يطرح أسئلة كثيرة خاصة في الحالة الجزائرية التي عرفت منذ سنوات وقائع مشابهة وحرائق أشد قسوة وعنفا.

لا يمكن إنكار الدور الذي يلعبه الطقس وتحديدا ما سمّي بـ «القبة الحرارية» في تأجيج الحرائق وفي إذكاء لهيبها، لكن ذلك لا يعفي الدولة من المسؤولية.فإذا كانت تونس دولة ذات إمكانيات محدودة وهي التي تعيش منذ سنوات أزمة سياسية واقتصادية خانقة انتهت اليوم إلى ما يشبه الإفلاس غير المعلن، فإن الجزائر دولة غنية وذات إمكانيات وموارد غير محدودة. فكيف تعجز عن مواجهة الحرائق وهي التي عرفت حرائق مماثلة خلال السنوات القليلة الماضية وفي نفس المناطق التي تضربها اليوم ؟لا شك أن هذه المآسي ستتكرر خاصة مع ما يطغى على المناخ من تغيرات كبيرة بسبب التلوث وبسبب ما يصدره الإنسان يوميا عبر المصانع والسيارات والأجهزة من هواء ملوث. لكن المشكل الأكبر في تونس كما هو الحال في الجزائر وبقية الدول العربية هو غياب استراتيجية حقيقية للتعامل مع التغير المناخي مثل مشاريع التشجير والاستصلاح ومواجهة زحف التربة والصحراء والبحر والتحكم في الثروة المائية إلى غيرها من المشاريع الممكنة.المشكل لا يتعلق إذن بظاهرة الحرائق الغابية رغم ما يكتنفها أحيانا من الغموض بسبب بعض الشكوك حول سعي أطراف معينة إلى تغيير صبغة الأراضي الغابية إلى أراض عقارية بل يتعلق بمشكل أعمق أقرب إلى كيفية إدارة الدولة والتحكم في مواردها. ثم إن تخطيط المدن والقرى بجوار مناطق الغابات دون مراعاة مساحات عازلة كفيلة بحماية المناطق السكنية في حال الكوارث الطبيعية مثل الحرائق والفيضانات يضاعف من المخاطر ومن طرح مسؤولية الدولة والحكومات المتعاقبة في ما يحدث اليوم من حرائق تؤدي إلى سقوط عشرات الضحايا.

ليست حرائق الغابات أو الفيضانات التي تضرب البلاد العربية من حين لآخر إلا عنوانا لغياب الاستراتيجيات الواضحة لمنع حدوث ذلك. كثير من دول العالم تنزل بها كميات هائلة من الأمطار وبها ملايين الهكتارات من الغابات لكنها وضعت منذ عقود استراتيجيات ناجعة للحد من المخاطر ومواجهة الكوارث الطبيعية.محمد هنيد

أستاذ محاضر بجامعة السوربون

copy short url   نسخ
27/07/2023
20