+ A
A -
الدوحة /قنا/ تكتسب الزيارة التي يقوم بها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية، أهمية بالغة في تعزيز علاقات التعاون الاقتصادي، واستكشاف مجالات جديدة للتعاون والشراكات التجارية والاستثمارية بين البلدين، بما يعود بالنفع على شعبيهما الصديقين.

وشهدت العلاقات الاقتصادية القطرية - الألمانية نموًّا مطردًا خلال العقود الستة الماضية، لتصبح دولة قطر شريكًا اقتصاديًّا مهمًّا لألمانيا في المنطقة، مع ارتفاع حجم التبادل التجاري بينهما، وتنامي الأنشطة الاستثمارية في قطاعات عدة، والتي عززت جسور التعاون المتبادل، وفتحت نافذة للبحث عن فرص جديدة للشراكة. ويرتبط البلدان بعدد من الاتفاقيات الاقتصادية ومذكرات التفاهم، منها اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات المتبادلة، وأخرى في المجالات الصناعية والتجارية والطيران المدني والنقل الجوي، إلى جانب اتفاقية إنشاء لجنة مشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والفني، والتي شهدت تنظيم العديد من الدورات على مدى السنوات الماضية.

ودأبت اللجنة القطرية - الألمانية المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري والفني على دعم التعاون وتأكيد الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وتوسيع حجم العلاقات الثنائية وتعزيزها من خلال إقامة شراكات طويلة الأمد، فضلًا عن الترحيب بأية مبادرات يتم اتخاذها من قِبل القطاع الخاص بكلا البلدين، لإنشاء آليات تهدف إلى تعميق العلاقات الاقتصادية الثنائية، مع التأكيد على أهمية الاستثمارات الثنائية والدور الذي تلعبه في تحقيق التنمية الاقتصادية. كما ساهمت اللجنة بشكل كبير في اتخاذ الخطوات اللازمة للمضي قدمًا في نهج توطيد التعاون التجاري والاستثماري بين البلدين بهدف زيادة حجم التبادل التجاري بينهما، وتيسير تدفق السلع والخدمات والاستثمارات بين البلدين.

ولترجمة هذه التوجهات، اتجهت قطر وألمانيا على مدى السنوات العشر الماضية إلى زيادة وتيرة اللقاءات على مختلف المستويات، وتطوير قنوات التعاون لاستكشاف المشاريع وفرص التعاون التجاري والاستثمار في القطاعات الحيوية المهمة، وتفعيل دور القطاع الخاص في البلدين، وقد شكّل منتدى قطر وألمانيا للأعمال والاستثمار الذي احتضنته العاصمة برلين في العام 2018 محطة مهمة في هذا السياق.

وأكد سعادة الشيخ خليفة بن جاسم بن محمد آل ثاني رئيس غرفة قطر، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، أن زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية ستعزز فرص الشراكة، وتفتح أبوابًا واسعة لمزيد من التعاون في المجالات التجارية والاقتصادية، مما سينعكس إيجابًا على قطاعات الأعمال في البلدين.

وأشار سعادته إلى أن العلاقات التجارية بين البلدين شهدت تطورًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، حيث تعتبر ألمانيا شريكًا تجاريًّا مهمًّا لدولة قطر، وقد حقق التبادل التجاري بين البلدين نموًّا بنسبة 75% في العام 2021، على الرغم من جائحة كورونا /كوفيد - 19/ وتداعياتها على حركة التجارة العالمية، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين العام الماضي نحو 11.2 مليار قطري، مقابل 6.4 مليار ريال في العام 2020.

وعلى الصعيد الاستثماري، قال سعادة رئيس غرفة قطر: إن السوق القطرية جاذبة للشركات الألمانية، وهناك العديد من الفرص في مختلف القطاعات الاقتصادية، خصوصًا ما يتعلق بالصناعات التي تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة.. مشيرًا إلى وجود نحو 300 شركة ألمانية تعمل حاليًا في قطر في قطاعات متنوعة كالتجارة والمقاولات والخدمات والشحن والأجهزة والمعدات الطبية وغيرها، إضافة إلى مشاركة شركات ألمانية في المشاريع الخاصة بالبنية التحتية، وكذلك في مشاريع /كأس العالم FIFA قطر 2022/. وفي مقابل ذلك، تعد ألمانيا وجهة رئيسية للاستثمارات القطرية في القارة الأوروبية، حيث يبلغ حجم استثمارات الدولة فيها نحو 25 مليار يورو، في قطاعات صناعة السيارات، والاتصالات، والضيافة والخدمات المصرفية، وغيرها من القطاعات المهمة.

وتمتلك دولة قطر حصصًا في أهمّ المجموعات التجارية والمصرفية، حيث تُعد أكبر مساهم في مجموعة /فولكس فاغن/ العملاقة لصناعة السيارات، بحصة تبلغ قيمتها 9 مليارات دولار أمريكي، وكذلك في /سيمنز/ وغيرها من الشركات الألمانية العاملة في مجال التكنولوجيا والشحن وصناعة الأدوية.

وتعتبر /فولكس فاغن إيه جي/ واحدة من أكبر شركات صناعة السيارات في العالم، وتمتلك مجموعة كاملة من العلامات التجارية، بعضها أسماء مألوفة، والبعض الآخر أقل شهرة. ويقع المقر الرئيسي لمجموعة /فولكس فاغن/ في فولفسبورغ بألمانيا، لكن العديد من علاماتها التجارية تركز عملياتها في مكان آخر، بينما ترفع تقاريرها إلى المقر الرئيسي. وتشتهر مجموعة /فولكس فاغن/ بصناعة سيارات الركاب، لكنها تمتلك أيضًا ماركات الشاحنات الثقيلة MAN وScania، وهذه الأخيرة كانت جزءًا من الشركة التي صنعت أيضًا سيارات Saab، بالإضافة إلى دراجات Ducati النارية، التي تملكها Audi عبر Lamborghini.

وتمتلك قطر حصة تبلغ 21 % في شركة /سيمنز/، وهي شركة متخصصة في الهندسة والإلكترونيات والأجهزة الكهربائية الطبية، تأسست في الأصل عام 1847 كشركة هندسة كهربائية أنتجت التلغراف الكهربائي. وخلال القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، استحوذت شركة /سيمنز/ على العديد من الشركات الأخرى واندمجت معها لزيادة قدراتها، وتوسيع تخصصاتها في مختلف القطاعات التي تعمل فيها اليوم، بما في ذلك الصناعة والطاقة، والرعاية الصحية، والبنية التحتية.

وقال السيد هربرت كلاوسنر العضو المنتدب لشركة /قطر سيمنز/ للطاقة، في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية /قنا/: إن /سيمنز/ للطاقة تتعامل مع دولة قطر منذ 50 عامًا، وعمل الجانبان معًا في العديد من المشروعات الكبرى كمشروعات البنية التحتية الجديدة في الدولة، وغيرها من المشروعات المتنوعة.

وأكد كلاوسنر أهمية الزيارة التي يقوم بها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، إلى ألمانيا، متوقعًا أن تشهد محادثات عدة حول الطاقة نظرًا للأهمية الكبيرة التي حاز عليها هذا الملف مؤخرًا، فضلًا عن بحث العلاقات الاقتصادية والسياسية المتميزة بين البلدين.. مشيرًا إلى أنه لمس رغبة قطرية كبيرة في التحديث والتطوير وامتلاك تكنولوجيا من أجل التقدم للأمام. وتابع: "نحن في /سيمنز/ فخورون بهذا التعاون الدائم والمثمر للطرفين في العديد من المجالات، وساهمنا على الدوام في مشروعات خاصة بالنفط والغاز ومحطات الكهرباء، ويوجد لدى /سيمنز/ للطاقة 160 عاملًا في قطر يقدمون خدمات بشكل دائم".

وعن الاستثمار القطري في الشركة، أوضح العضو المنتدب لشركة /قطر سيمنز/ للطاقة أن الشركة تستغل أي استثمار في سبيل تطوير الأداء والأبحاث والعمل، وتطوير السوق نفسها "حتى تستطيع الشركة تقديم خدماتها بشكل جيد لكل عملائها". وأوضح أن جهاز قطر للاستثمار لا يتعامل مع /سيمنز/ للطاقة فقط بل مع العديد من الشركات الألمانية بسبب الرغبة القطرية الكبيرة في التوجه صوب التكنولوجيا في العديد من المجالات، مشددًا على وجود تكامل كبير بين البلدين "فدولة قطر تمتلك الغاز الذي تحتاجه ألمانيا، وبرلين تتعاون مع قطر في كافة الأمور التكنولوجية الجديدة".

ولم تقتصر استثمارات جهاز قطر للاستثمار فقط على الشركات العاملة في القطاع الصناعي والتكنولوجيا، بل امتدت إلى القطاع الشحن من خلال الاستثمار في شركة /هاباج لويد/ إحدى أكبر شركات الشحن في العالم. وقال السيد رولف هابين يانسن الرئيس التنفيذي لشركة /هاباج لويد/ الألمانية للشحن: إن تعامل الشركة مع قطر بدأ عام 2016، من خلال تعاون استثماري ساهم في تطوير عمل الشركة في مجال الشحن.. مضيفًا، في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، أن الشركة تحتل حاليًا المرتبة الخامسة على مستوى العالم، وكخط حاويات تشغل حوالي 250 سفينة عبر أكثر من 100 خدمة حول العالم، وتنقل نحو 12 مليون وحدة مكافئة لعشرين قدمًا سنويًّا، ولديها مكاتب في نحو 130 دولة، وتوظف ما بين 14 و15 ألف شخص. والوحدة المكافئة لعشرين قدم، هي وحدة معيارية للحاويات، تستخدم لقياس كمية البضائع المشحونة، التي تحمل على شكل حاويات على سفن الحاويات أو شاحنات النقل. وأعرب الرئيس التنفيذي لشركة /هاباج لويد/ الألمانية للشحن عن اعتقاده بأن دولة قطر تقوم بعمل جيد في المجال الاستثماري.. مضيفًا أن "التعاون مع دولة قطر كان أحد أنجح الاستثمارات، وأعتقد أن لديهم رؤية جيدة للاستثمار والعمل كفريق واحد، ونشكر دولة قطر على كل الدعم والشراكة خلال السنوات الست الماضية، ونأمل أن يستمر ذلك لسنوات عديدة مقبلة".

وعن مدى تأثر شركته بجائحة كورونا خلال العامين الماضيين، قال: "كورونا أثرت علينا لأن حجم الطلب كان قويًّا للغاية، وقد واجهنا أيضًا بعض التحديات التشغيلية لأنه كان هناك الكثير من التأخير، خاصة في الموانئ، مما كان يعني أننا بحاجة إلى المزيد من الحاويات والمزيد من السفن لنقل الكمية نفسها من البضائع التي اعتدنا نقلها من قبل".

وبشأن تأثير الحرب في أوكرانيا على عمل الشركة، أوضح يانسن أن الحرب كان لها تأثير كبير على عمل جميع شركات الشحن وليس شركته فقط، حيث توقفت الشحنات من وإلى أوكرانيا بشكل أساسي "وبعض هذه الشحنات يتدفق إلى مكان آخر، وهذا يعني أنه يتعين علينا إيقاف بعض الخدمات، وإجراء تعديلات على بعض الخدمات الأخرى، وبالطبع نحتاج أيضًا إلى الاعتناء بموظفينا". كما تمتلك قطر حصة في شركة /هوكتيف/ وهي شركة إنشاءات ألمانية مقرها إسن، شمال الراين-وست?اليا، ألمانيا، وتعد أكبر شركة إنشاءات في البلاد، وتعمل على النطاق العالمي، وتحتل الترتيب الأول بين كبرى شركات الإنشاءات العامة في الولايات المتحدة من خلال فرعها ترنر، وفي أستراليا عن طريق أسهمها في CIMIC Group.

وفي وجه آخر من أوجه التعاون الاقتصادي بين ألمانيا وقطر، أكد الدكتور توماس دبليو أودونيل الخبير في شؤون الطاقة والشؤون الدولية، أن الطاقة ستكون على رأس جدول أعمال زيارة سمو الأمير المفدى إلى ألمانيا.. مشيرًا إلى أن برلين ترغب في البحث عن موردين جدد للغاز. وأضاف أودونيل، في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، أن ألمانيا تفطنت متأخرة إلى ضرورة تنويع مصادر الغاز الطبيعي، وتقوم ببناء 4 محطات لتخزين الغاز حاليًا "وهذا ما سيساعد بالطبع في علاقات أقوى مع دولة قطر في مجال الطاقة، ولا سيما استيراد الغاز القطري حاليًا أو في المستقبل القريب". وتوقع أودونيل نجاح خطط دولة قطر في زيادة إنتاج الغاز الطبيعي من حقل الشمال وفقًا لخططها التي أعلنتها مؤخرًا.

وقال: "هذه الزيادة ستشجع دولًا كثيرة، ومن ضمنها ألمانيا التي تطمح للحصول على حصة من الإنتاج الجديد، ورغم أن هذا الأمر قد يستغرق سنوات لكن ألمانيا لن تفوت هذه الفرصة بالطبع، وستعمل على تنويع مصادر حصولها على الغاز وعدم الاعتماد على الغاز الروسي فقط". وما من شك بأن هذا التطور والتكامل في العلاقات الاقتصادية بين دولة قطر وألمانيا وتناميها خلال السنوات الماضية، وتوسعها في قطاعات عدة، يعكس بعمق متانة العلاقات القطرية الألمانية، مما يدفع إلى مزيد من التعاون، وتحقيق المزيد من التكامل المفضي إلى ترسيخ الشراكة التي تعزز التطلعات التنموية للبلدين.

copy short url   نسخ
20/05/2022
624