+ A
A -

انتبه، إن إحدى علامات الرضا وأحد مفاتيح السعادة يكمن في استيعابك وإدراكك لحكمة الله في توصيل أقدارك إليك من مصارف بعينها دونًا عن سواها.

فحظك من البر، ونصيبك من العطف، وأقدارك من العطاء، الرفق أو الرحمة أو حتى رصيدك من المال قد يأتيك من غريب أو بعيد، فلا تصرن بأنه كان الأحرى أن تناله من أبويك، ابنك، زوجك أو مصارف بعينها.

فالله هو المتصرف في أمور عباده وهو الذي يعلم ما لا تعلمون

أما لو تمسكت بالتحسر على حالك كون البر لم تناله من أبنائك وأن المال لم تتحصل عليه من إرث جدودك وأن السند لم يكن من ظهيرة أبيك وأن العضد لم يقدمه لك ساعد إخوتك والعزوة لم ترها من عشيرة أهلك والعلم لم تتحصل عليه من سبورة معلمك والنجدة لم تأتيك من بيت جارك والتقدير لم تلمسيه من لسان زوجك والأمان لم يمنحه لك تراب وطنك والعزومة لم ترد إليك ممن دعوتهم والهدية لم تسدد إليك ممن أهديتهم، فاعلم أن حسرتك سببها أنك مصمم على أن تكون كبقعة زيت عنيدة لن يفلح الرافدان في تنظيفها ولن تجدي معها سائر المنظفات القوية، فالوسخ عالق بقلبك وعقلك معًا.

ومن أسباب حسرة البشر هو أن عددا كبيرا منهم يعاني من طريقة تفكير ذات قالب معين ما يصعب إدراكهم للأحداث أثناء وقوعها.

سيما لأن اعتماد طريقة واحدة لا غير لفهم معادلة الحياة تصعب الأمر.

حاول العديد من العلماء فهم أسباب ادراكنا المتأخر لمواقف الحياة، فبحسب علماء النفس في بريطانيا «مايرز وتوينجي» فهناك نزعة لا تقاوم لدى الفرد لتفسير سلوكه وسلوك الآخرين بشكل سريع يساعد على اتخاذ مواقف بإزاء التصرفات التي نواجهها آنياً، بإرجاع التصرف الذي يقوم به أحدهم لسبب أو لغرض ما.

هذا الميل لتفسير السلوك يساعد المرء على توقعه ومن ثم السيطرة على المواقف الحياتية لاحقاً، سواء بمواجهتها أو بتجنبها، للنأي عن الوقوع في الضرر.

فقد يتحدد رد فعل أحد الزوجين حيال تعليق جارح من شريكه

فمثلاً: «ألا يستطيع هذا الكائن وضع أحذيته في مكانها؟».

قد يترجم إلى «هذا الإنسان غير صالح للتعامل الآدمي».

على أن شريك آخر قد يسمع التعليق ذاته، فيفهمه على هذا النحو

: من الواضح أن شريكي قد أمضى يوما شاقاً بعمله.

الأول استسهل ادانة الشخصية بخصال ثابتة لها صفة الديمومة في تصرفاته ما سيؤثر سلباً على نزعاته في التعامل معه لاحقاً ما ينبئ بمشاكل قد تؤدي لتقويض العلاقة الزوجية.

في حين حصر التفسير الثاني الإهانة في سياقها أخذًا في الاعتبار الضغوط الحياتية اليومية التي يتعرض لها الشريك، ما قد يبشر باحتواء الموقف سيما لو لم يتكرر بشكل يعنون أن هذا المرء ديدنه التسفل.

والمُشكل بحسب «مايرز» أنه قلما يتمكن المرء من التحكم في رؤيته للأمور التي تخضع غالباً للحدس والانطباعية، التي تشكل مخاوف الفرد وتضاعفها بناء على ما استند عليه من فهم في عقله اللا واعي.

وقد أكد «فرويد» أن التفكير يحدث سريعاً في كواليس النفس بشكل ارشادي، عفوي واستدلالي عن طريق العواطف والإتصال غير اللفظي والتعامل مع المواقف على مستويين واع، ولا واع.

وقد أشار إلى هذه «المعادلة المزدوجة» دانيال كانيمان الذي يرى أن المعضلة الحقيقية في كوننا نميل لتفسير المواقف تفسيراً فطرياً بالحس.

والغريب اننا لا نستخدم هذا الحس إلا لاحقاً، بعيد تيقننا من النتائج، فتظهر الجملة الأشهر

«كان قلبي حاسس»

فبحسب مايرز: فإن الأحداث تكون أشد وضوحاً وأكثر قابلية للتوقع بالإدراك المتأخر، فحين يـتأكد الإنسان من النتائج، يتولد لديه شعور أن الموضوع كان بديهياً، فيتعجب من إدراكه للإجابة الصحيحة عقب خروجه من قاعة الامتحانات دون أن يخبره أحد بها، فيعلم أنه أجاب بشكل خطأ رغم معرفته بالإجابة الصحيحة، لكنه أدركها بعد فوات الأوان!

وبحسب سورين كيركيغارد: إننا نعيش الحياة إلى الأمام، ولكن نفهمها بأثر رجعي ما يجلب الكثير من الحسرة.

copy short url   نسخ
15/07/2023
160