+ A
A -

ارتاح المؤرخون للتضحية بسمعة زوجة سقراط، حين صنفوها كأشهر النساء النكديات في التاريخ، وصبّوا عليها جام لعناتهم ووصموها بالعصبية، الجهل والحدة، إلا أنه آن أوان رفع العصابة عن عيون القراء لتنويرهم والتوضيح بكون معلم الأجيال والفليسوف أو المفكر الأهم -الألقاب مجانية- لكن هذا الرجل والذي استصلح على تسميته المعلم الأول قد هداه عقله وألمعيته لإستغلال طفلة وإختيار ضحية تصغره ب35 عام لتكون زوجة له.

فسقراط المولود بعام 470 ق.م قد اقترن بـ «زانثيبي»، وهي من مواليد 435 ق. م، فعاشت الضحية معه وأنجبت له، لكنها كرهته وكرهت فلسفته وتلاميذه، فقد كان يتركها بأطفالها ملقيًا عليها بكل أعباء ومسؤوليات الأسرة ليتجول مع مجموعة من الطلاب في شوارع أثينا بلا هدف فيما عرف بجماعة «الجوالة».

وأجد نفسي مضطرة للرد على من يستند لكون فارق السن كان شائعًا بذلك الوقت، بأن هذا الأمر قد يتم تمريره لرجل عادي لا يتخذ التفكير مهنة، أما من سعى لأن يكون المعلم الأول، فلا أقل من أن «يغير الخطأ» لا يستمرئه ليعلمنا الشعور بالأخر وليتفهم احتياجاته ومشاعره، لكن سقراط اكتفى بتصوير زوجته كسيدة نكدية، دونه في الفكر، رغم أن فكر سقراط نفسه قد هداه لاستغلال ثغرة مجتمعية أباحت له الزواج من طفلة تصغره بثلاثة عقود ونصف ولم يتورع في الانشغال عنها بالفلسفة، دون توفير احتياجاتها واحتياجات أسرتها.

فمضى العمر بـ «زانثيبي»، وتأكدت أن أهلها قد باعوها وأن لا مفر لها، سيما بعد إنجابها، فزادتها تبعات الإنجاب حدة وعصبية. ورغم نبوغ سقراط في الفلسفة وفي علم الأخلاق إلا أن سعيه للاقتران بمن تصغره بـ 35 عام لهو سقطة أخلاقية.

الشاهد أن سقراط قد حصد تقدير مجتمعه من لدن ما قبل الميلاد وحتى يومنا هذا كما حظى بتعاطف تلاميذه الذي وجد سلواه معهم، لكن «زانثيبي» عاشت وحيدة دون سند أوعائل، فكان عليها هي أن تهتم بشؤون أسرتها فيما زوجها يتجول في شوارع أثينا تاركا مسؤولياته بلا مبالاه يحسد عليها.

بل بلغت به الصفاقة إلي حد نصح أحد تلاميذه ساخرًا من زوجته: «ينبغي لك أن تتزوج! فإنك إن ظفرت بزوجة عاقلة صرت سعيداً، أما أن وقعت في براثين زوجة طائشة، مناكفة كزوجتي، صرت فيلسوفاً مثلي».

بل بالغ في إهانتها حين تلاعب بألفاظ قائلًا: «أنا مدين لهذه المرأة، فلولاها ما تعلمت أن الحكمة في الصمت، والسعادة في النوم، مسكين الرجل، يقف حائراً بين الزواج أو يبقى العزوبية وهو في الحالتين نادم، ولكل شخص الحق في اختيار الطريقة التي تؤدي به إلى الندم».

حملت «زانثيبي» عن سقراط مسؤولياته، ووفرت له فرص التفكير والتسكع في شوارع أثينا وأطعمت أبنائه وكستهم ونظفت داره وراعت أسرته، فمارست الحكمة بشكل عملي فيما تمنطق وتشدق واستمتع بصبية وأنجب منها واستعملها في بيته كخادم أمين سجين وحصد الشهرة ثم قلل منها وحط من شأنها أمام العالم!

قلبي معك يا «زانثيبي» المفترى عليها، فالحكيم من يرعى أهله، فهم أولى برعايته، لكن ما جدوى إشادة العالم بك بينما تقسو على أهلك.. أَلَا تعسًا لسقراط.

copy short url   نسخ
08/07/2023
35