+ A
A -
قبل أن ينجح دونالد ترامب في إجبار أقوى منافسيه تيد كروز على مغادرة السباق في الانتخابات التمهيدية الأميركية، ساد الانطباع بأن ترامب لا يقف على أرض صلبة تسمح له بالوصول إلى البيت الأبيض بسبب شخصيته المثيرة للجدل. ولكن بمجرد انسحاب أقوى منافسيه، وفى ظل النجاحات المتتالية التي حققها، تغيرت الصورة تماما. لم يعد بالإمكان الاستخفاف بما يقول ولا بما جرى من تغير كبير في مشاعر وميول المواطن الأميركي الذي وقف وراءه من ولاية إلى أخرى.
من السابق لأوانه التنبؤ بما ستنتهي إليه نتيجة الانتخابات وأيضا بما ستكون عليه السياسة الأميركية داخليا وخارجيا إذا ما وصل ترامب تحديدا إلى البيت الأبيض. ولكن مسار الانتخابات التمهيدية كشف عن بعض ملامح الفترة المقبلة وكلها تثير القلق والجدل أكثر مما تثير الارتياح والوضوح.
ففي سابقة فريدة وجد الحزب الجمهوري نفسه في موقف لا يحسد عليه حيث عجز عن تقديم مرشح يحظى بدعمه الحقيقي. ولكن ترامب أسقط تقديرات حزبه. ظهر بمظهر الشخصية الجذابة (الكاريزمية) .والأميركيون عموما يحبون هذه النوعية من القيادات، وكان جريئا للغاية في عرض مواقفه ووعوده للشعب الأميركي. ورقته في إزاحة خصومه هي «الشعبوية» التي تقوم على إثارة مشاعر الشعب في الأزمات لتحقيق مصالحه كما يراها هو وبالطريقة التي يريدها هو بعيدا عن المؤسسات والنخب السياسية.
ترامب لعب على حالة الغضب السائدة في المجتمع من الأوضاع الاقتصادية من ناحية ومن عدم ثقة غالبية الناخبين في النخب السياسية القائمة من ناحية أخرى. هنا تعمد ترامب أن يستنهض مشاعر التميز والتفوق والقوة الكامنة في شخصية المواطن الأميركي، خصوصا لدى البيض الذين يعتمد عليهم الحزب الجمهوري.
لذلك استعدى الأقليات فهاجم المسلمين الأميركيين وقال إنه لابد من طرد المهاجرين وبناء حائط ضخم على الحدود مع المكسيك على حسابها لوقف تدفق المكسيكيين لأميركا. وحمل بشدة على إدارة أوباما لأنها أضعفت قوة أميركا الاقتصادية من حيث الخلل الكبير في ميزانها التجاري مع حلفائها وأصدقائها.
وذهب به الاستعداء على الصين إلى حد قوله إن الولايات المتحدة مثل خزينة النقود التي تقوم الصين بسرقتها!. ومع أنه قال إنه سيقاتل «داعش» وسيقف مع دول الشرق الأوسط ضد ما سماه الإسلام الراديكالي، إلا أنه قال في نفس الوقت إن الولايات المتحدة ستتوقف عما يراه دعما مجانيا لهذه الدول حيث عليها من وجهة نظره أن تثبت مشاركتها للولايات المتحدة في هذا العمل من خلال الدفع بقوات برية أو المساهمة المالية.
لا أحد يستطيع الجزم بأن ترامب يمكن أن يكون الرئيس الجديد للولايات المتحدة، فالانتخابات الأميركية عموما فيها الكثير من المفاجئات. ولكن يقينا تلعب الرؤى الشخصية للقيادات السياسية وخصوصا في الولايات المتحدة دورا مؤثرا، بمعنى أنها تبقى حقيقة لا مفر منها وكل ما يحدث هو تنزيلها بقدر الإمكان في شكل سياسات محددة.
وهنا تلعب القيود الداخلية والخارجية دورها في التعبير النهائي عن هذه الرؤى. من هذه القيود مثلا شدة الحرب ضده من الحزب الديمقراطي ومن غريمته هيلاري كلينتون التي لم تتوقف عن تحذير الناخب الأميركي منه بقولها إنه خطر على الولايات المتحدة. ومنها قلق الصين الذي وصل إلى حد مناشدتها الناخب الأميركي إلا يصوت له، وكذلك قلق دول أوروبا الغربية من أن يؤدى نجاحه إلى انتقال عدوى الشعبوية إلى داخل أراضيها. ومن المؤكد أن إيران لن تكون سعيدة بنجاحه.
ورغم ذلك فإن التحول في مزاج الأميركيين نحو تضخيم الذات والتعلق باستعادة الهيمنة المطلقة على العالم والعداء تجاه الآخر إلى حد إحياء العنصرية، وهو ما انعكس في التأييد الفائق لشخصية مثل ترامب، يؤشر إلى طي صفحة أوباما بالكامل بحلوها ومرها، وأننا مقبلون على حقبة أميركية تنتهج سياسة خارجية شرسة، وفى هذه الحالة يحق للعالم أن يقلق.

بقلم : عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
14/05/2016
2488