+ A
A -

السؤال الذي يشغل بال كثيرين في فرنسا وخارجها اليوم إنما يتعلق بمستقبل الهجرة والمهاجرين بعد أعمال العنف الأخيرة التي شهدتها باريس على خلفية مقتل الشاب الفرنسي من أصول جزائرية. يستقي السؤال أهميته من الجدل الدائر بين صنّاع القرار السياسي والنخب حول سياسة الهجرة والمهاجرين وخاصة الخطاب المتطرف لأحزاب أقصى اليمين.

لابد في البداية أن نميز بين معطيين أساسيين فيما يتعلق بمسألة الهجرة والمهاجرين: أما الأول فيتمثل في الهجرة غير الشرعية وأفواج القادمين من سواحل المتوسط الجنوبية عبر قوارب الموت وهي ظاهرة تخص شكلا جديدا من أشكال الهجرة. أما الجزء الثاني وهو الأهم فيخص مواطنين فرنسيين من أصول مهاجرة وهي جاليات حاضرة في المجتمع الفرنسي خاصة من الأفارقة والعرب من شمال أفريقيا وخاصة تونس والمغرب والجزائر.

الصنف الثاني لا يعتبرون مهاجرين بل هم فرنسيون من الجيل الثالث والرابع درسوا في المدارس الفرنسية ولا يعرفون وطنا آخر غير فرنسا رغم تعلقهم بجذورهم وبلادهم الأصلية كما تفعل بقية الجاليات المهاجرة من البرتغال وإيطاليا وتركيا والصين والهند. هؤلاء هم جزء أساسي من النسيج الاجتماعي الفرنسي وهم كذلك جزء من التاريخ الفرنسي وخاصة الطور الاستعماري منه فقد جلبت فرنسا أجدادهم للعمل فيها وبناء بنيتها التحتية من أنفاق وقطارات وطرق ومصانع وعمارات.

بناء عليه فإن أطروحات اليمين المتطرف وبعض الأبواق العنصرية التي تطالب بترحيل المهاجرين إنما تعني المهاجرين الجدد الذين دخلوا البلاد بطرق غير شرعية أما حديثهم عن الفرنسيين من أصول أجنبية فلا يعدو أن يكون دعاية انتخابية وشعارات شعبوية لا قيمة لها. الفرنسيون من أصول مهاجرة هم دعامة أساسية للاقتصاد الفرنسي وقدرة شرائية واستهلاكية هامة ولا يمكن له أن يقوم بدونهم.

بناء عليه فإن ما يطرح من مشاريع وقوانين جديدة للهجرة إنما يهدف إلى مراقبة الهجرة غير الشرعية ومزيد الصرامة مع أمواج المهاجرين القادمين من جنوب المتوسط خاصة. أما الجاليات الفرنسية ذات الأصول الأفريقية والمغاربية فإن المسألة التي تطرح هي مسألة فشل مشروع الاندماج الذي راهنت عليه الحكومات الفرنسية المتعاقبة وأظهر فشلا ذريعا بسبب تحوله إلى مشروع صهر وذوبان يلغي الخصوصيات الثقافية للمهاجرين.

هذا الأمر هو الذي يفسر الحملات الكبيرة على المهاجرين من أصول عربية ومسلمة في فرنسا والتي لا تتوقف وتيرتها. لكن تجدد الاحتجاجات وتصاعد العنف في نفس الأماكن ولنفس الأسباب يفرض على الحكومة الفرنسية اليوم إعادة النظر بشكل جذري في سياستها الاجتماعية بشكل عام.

copy short url   نسخ
06/07/2023
45