+ A
A -
كان مجلس الشيوخ الأميركي قد وافق يوم 15 يونيو الماضي 2017، بأغلبيةٍ ساحقةٍ على إجراٍء من شأنهِ توسيع العقوباتِ ضد جمهورية روسيا الاتحادية، كما يَحِدُّ من صلاحيات الرئيس الأميركي على رفع هذه العقوبات.. معارك سياسية موضعية يتفق فيها الروس والأميركيون في مساحاتٍ، ويتكاسرون في مساحاتٍ أوسع، وهم مختلفون أيضاً حول التحقيقات عما يُشاع بشأن التدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية.
بالمقابل، أقدَمَ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على خطوة تخفيض التمثيل الدبلوماسي للولايات المتحدة في روسيا، حين تم وقف منح (755) دبلوماسياً أميركياً تلك الصفة فوق الأراضي الروسية، ليتساوى مع عدد أفراد البعثة الدبلوماسية الروسية بواشنطن، ويصبح (455) دبلوماسياً في كل بعثة، وهو ما يُشير إلى أن العلاقات بين البلدين، لم، ولن تَشهَدُ تحسناً كبيرًا، كما كان يشاع مع فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
التصعيد المفاجئ والسريع لمستوى العلاقات بين موسكو وواشنطن، ليس إفرازاً لخلافاتٍ عميقة ظهرت فجأةً، وليس مقدمة لقطيعةٍ تحيي أجواء الحرب الباردة التي استمرت لعقودٍ طويلة.. فالتصعيد اليوم هو جزء من صراع محسوب جيداً لتجميع أكبر قدر من النقاط، تمهيداً للجلوس على طاولة التفاوض، بشأن العديد من الملفات والقضايا الكونية التي مازالت تفعل فعلها في الصراع الخفي الدائر بين القطبين الكبيرين والمؤثرين في مسار السياسات الدولية.
تكتيك واشنطن، هو ذاته، في اللجوء إلى الخطط القديمة في مقاربة الولايات المتحدة تجاه روسيا، عبر حصار النفوذ الروسي، ولكن هذه المرة لن يكون سوى عبر قوتين كبيرتين تنافساها في الشرق والغرب.. الناتو، خاصة بعد توسيعه، وهو القوة التقليدية لمواجهة روسيا في أوروبا، والصين الشعبية هي القوة الجديدة التي تحلم واشنطن باستمالتها عبر التودد إليها على أمل استدراجها بعيداً عن أي تحالف مُحتمل قد يجمعها مع روسيا لاحقاً وهو أمرٌ مستبعد جداً أن تقبل به الصين الشعبية، التي تعيش حالة من الصراع الخفي أيضاً مع الولايات المتحدة. كما أن التصعيد تجاه روسيا وحشد أوراق الضغط يتم في الداخل الأميركي، حيث صقور العداء لموسكو في الحزبين الديمقراطي والجمهوري صاروا اليوم أكثر صراحة ووضوحاً في دعواتهم العدائية لموسكو.
وعلى المتوالية إياها من العلاقات الأميركية- الروسية، تتأثر العلاقات الروسية مع دول الاتحاد الأوروبي أيما تأثر عند حدوث أي اضطرابٍ استثنائي في العلاقاتِ المشتركةِ بين موسكو وواشنطن.. فدول الاتحاد الأوروبي ترتبط جميعها بعلاقاتٍ متبادلة وذات أولويات ومصالح مباشرة مع الولايات المتحدة، كما ترتبط مع موسكو بمصالح بدأت تزداد رويداً رويداً منذ تفكك وانهيار الاتحاد السوفياتي السابق، خاصة في مجال التزود بالطاقة والغاز الروسي القادم من سيبيريا، لذلك نجدها الآن تقع في حيرةٍ من أمرها.
دول الاتحاد الأوروبي الحائرة، ترتفع مبادلاتها التجارية مع جميع شركاء الاتحاد، ومع روسيا بشكلٍ خاص، رغم الحظر والعقوبات المفروضة على روسيا من قبل الولايات المتحدة.
ووفق بيانات مكتب الإحصاء الأوروبي «يوروستات»، ارتفعت قيمة الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة خلال الأشهر الخمسة الأولى من السنة الحالية بنسبة 6.6 % وإلى الصين بنسبة 20.3 % وكانت أعلى زيادة مسجلة مع روسيا بنسبة 24.6 % (سلع مُصَنَّعَة وآلات) ما جعلها تَحُلُّ مَحَلَّ سويسرا كثالث أكبر مَصْدَر لواردات الاتحاد الأوروبي. وبالمقابل ارتفعت واردات أوروبا من روسيا بنسبة 37.6 % ويُشَكِّلُ الغاز المسيل معظم هذه الواردات، وبذلك ارتفع عجز تجارة الاتحاد الأوروبي مع روسيا من 18.9 مليار يورو في مايو 2016 إلى 29.5 مليار يورو في مايو 2017. الأرقام الواردة أعلاه، تلخص حدود الضرر الذي تتعرض له دول الاتحاد الأوروبي نتيجة تردي العلاقات بين موسكو وواشنطن ومحاولات واشنطن استقطابها في مواجهة موسكو.
بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
18/08/2017
1910