+ A
A -

منذ فبراير 2011 أرسلت الأمم المتحدة خمسة مبعوثين خاصين للأمين العام إلى ليبيا في محاولات مستميتة من المنظمة الدولية لفك شفرة لغز الأزمة الليبية وصولا إلى حل مرضٍ لكل الأطراف. ومع بداية أغسطس 2017، أرسلت المبعوث السادس السياسي والمفكر اللبناني غسان سلامة لعله ينجح فيما فشل فيه سابقوه.
لم يقصر سابقوه في شيء، ولم تنقصهم الكفاءة والخبرة فجميعهم كانت لديهم سيرهم الذاتية وإن كان بدرجات مختلفة، التي كان من المفترض أن تمكنهم من تحقيق اختراق إيجابي في أزمة بالغة التعقيد مثل الأزمة الليبية. ولكن معظمهم قضى بضعة شهور أو عامين ورحل إما مكرها أو يائسا من المهمة الشاقة. ومن تمكن من إحراز بعض النجاح مثل برنارد ليون ومارتن كوبلر (اتفاق الصخيرات ومحاولة تفعيله) لم يكمل المهمة بسبب الخلافات الحادة بين الأطراف النافذة الليبية، فضلا عن عقبة الاستقرار الأمني التي كان من شأنها بقاء الاستقطاب السياسي وتعميق الخلافات.
لقد كان القاسم المشترك في كل العقبات التي واجهت حل الأزمة في مرحلة ما قبل تولي غسان سلامة المهمة، هو الحساسية الشديدة من جانب فريق كبير من القوى النافذة الليبية مما يسمى بالتدخل الأجنبي حتى لو كان تحت عباءة الأمم المتحدة. فعلى مدى السنوات الماضية لم تكف هذه القوى عن التعبير عن عدم الثقة في أي وسيط دولي تعينه الأمم المتحدة لا لشيء سوى لعمق الهواجس الوطنية الليبية مما تعتبره تدخلا أجنبيا.
غسان سلامة المبعوث الأممي الجديد لديه فرص أفضل ممن سبقوه، ولكن أمامه تحديات أكبر مما واجهتهم، ومن ثم فإن مهمته لها طابع خاص مختلف عما كان قائما السنوات الماضية.
الرجل على صعيد الفرص له مكانة سياسية وفكرية وأدبية على الصعيد العربي لا ينكرها أحد، فهو من أبرز الشخصيات العربية التي صنعت لنفسها مكانة مرموقة دوليا وتقديرا عاليا لها في أوساط النخب الفكرية العربية خصوصا أنه بنى تاريخه على أن يكون مستقلا في رؤاه ومواقفه عن النظم الحاكمة. وعموما لديه دراية كافية بملفات المنطقة.
عقدة عدم الثقة في الوسطاء الأجانب ربما لا تكون حاضرة بين الليبيين في حالة غسان سلامة، بل الأرجح الانفتاح المتبادل هو الذي سيسود العلاقة. يضاف إلى ذلك أن سلامة يحظى بدعم أوروبي بحكم علاقاته القوية مع فرنسا.
وأما على صعيد التحديات فهي لا تقل صعوبة وقوة عما واجهه سابقوه. فالرجل جاء وأمامه تجارب عديدة من الفشل، مما يفرض عليه أن يأتي بأداء مختلف من خارج الصندوق، وتلك مهمة عسيرة وسط مشاعر لا يستطيع الفكاك منها تدور حول إمكانية أن يلقى نفس مصير من سبقوه، وحتى يتجنب ذلك سيلجأ إلى الحذر الشديد وبناء علاقات مع كل الأطراف برغم ما بينها من خلافات عميقة. ولأهمية هذا الاعتبار (استعادة الثقة) حرص سلامة في بداية مهمته على التأكيد على أنه يقف إلى جانب كل الأطراف الليبية بهدف العمل الجماعي على أن تكون الفترة المقبلة فترة استتباب المؤسسات المستقلة والفاعلة والعامة في ليبيا المستقلة الموحدة. إلا أن الأهم هو تفعيل خريطة الطريق التي تم الاتفاق عليها في باريس، وتعني إجراء الانتخابات العامة رئاسية وبرلمانية في الربيع القادم وتحقيق الاستفتاء على الدستور. والتحدي هنا لا يقف عند صعوبة تحقيق التوافق حول تنفيذ هذه الخريطة نتيجة الفجوة الواسعة بين الأطراف الليبية، وإنما أن خريطة كهذه تفترض مسبقا تحقيق الأمن والاستقرار أولا وإلا عاد التشكيك في النتائج أو بالأحرى العودة إلى نقطة الصفر.
وضمن الترتيبات المسبقة هناك تحدى إعادة مؤسسات الأمم المتحدة إلى البلاد بعد أن كانت رحلت عام 2014، وذلك لتوفير المساعدات من ناحية والإشراف على تنفيذ خريطة الطريق من ناحية أخرى. وكلها مشاكل لا يجب الاستهانة بها مهما كانت قوة الفرص المتاحة للمبعوث الجديد.
بقلم : عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
12/08/2017
2980