+ A
A -

في عام 1989م، اخترق الملك فهد حاجز الخلاف الضخم، والصراع السياسي المؤسف بين الشقيقتين الجزائر والمغرب، بدأت فكرته في جمع الشاذلي بن جديد الرئيس الجزائري الراحل بالملك الراحل الحسن الثاني ملك المغرب، خلال القمة الإسلامية، وكان هذا الجمع هي للحظة تصافح فقط، عند البيت العتيق في مكة المكرمة.

والذي يُتابع تطورات الصراع اليوم وهو عميق، له جذور من زمن الاحتلال الفرنسي، يُدرك صعوبة الظرف الذي يحتاجه الوسطاء، وبالطبع تحول الخلاف ليكون كتلة من لهب لا تفتر في ملف الصحراء الغربية، والذي يعتبر جوهر هذا الصراع اليوم، وكل ما يُذكر من ملفات أخرى، فهي هامشية.

وبالتالي حين لم يستطع الملك فهد جمع الزعيمين، لكسر هذا الحاجز حتى في بلد محايد، استخدم طريقة ذكية، تجمع بين تاريخ العربي القديم والقيم التي بُعث بها الإسلام في التصالح، ولم يكن للجزائر أو المغرب أن ترفض نصب الملك فهد لخيمته كضيف بين حدود الدولتين.ولكن الملك لم يكن يهدف حينها لقضاء نزهة، وإنما لوضع المزيد من الحرج الأخلاقي، على الدولتين للضغط الإيجابي لتحقيق الهدف، وبالفعل دعا كلا الزعيمين لخيمته وحضرا فكانت أول جلسة مشتركة لفتح باب الحوار، الذي انتهى لوقف ذلك الموسم من الصراع، وإن لم يُقض على أسبابه، التي يحركها جذور زرعها المستعمر، وربط الفكرة في اطراف محلية في كلا البلدين.

وتبرز لنا أهمية هذا المفهوم في المصالحات اليوم، من خلال القسوة البشعة التي انفجرت في لغة التعبير، وانتقلت من الرواق الرسمي، بطريقة تؤذي الشعبين الشقيقين، نتابعها بألم في الخليج العربي، فلقد مررنا بتجربة سيئة في الخصومة، ولذلك فإن تلك الخطوة والمبادرة من عاهل السعودية الأسبق رحمه الله، يُنظر إليها ببصيرة المصالح العربية الجمعية، وتقدر من الكُل، المتفق والمختلف مع السعوديين، وهكذا كانت في زمنها وهي كذلك اليوم.

ولذلك نستدعيها هنا ليس كذاكرة تاريخ سياسية، ولكن لأجل البناء عليها، من خلال مقترح مبادرة خليجية للإصلاح بين الرباط والجزائر، لا يُشترط فيها نصب خيمة عربية خليجية بين الحدود، وإنما إطلاق المبادرة على مسارين، مرحلي عاجل واستراتيجي شامل، وهو ما أعتقدُ أن تعاضد أطراف خليجية فيه، سوف يصنع أرضية مهمة لتحقيق هذا النجاح المؤمل، وأوله إلقاء الثقل الدبلوماسي بكل قوة، وعبر اللغة المحببة المحترمة للبلدين، لإيقاف التنابز الإعلامي، وقد يقتضي ذلك زيارة أكثر من زعيم خليجي، بعد التمهيد السياسي والدبلوماسي لها.

واشتراك جهود خليجية في هذه المهمة، يخلق قاعدة انطلاق مركزية يؤمل أن تحقق اختراقاً عاجلاً، ولا نعني حرق مسارات التهيئة، فالأزمة معقدة ومشتبكة، ولكن وقف سباق المهاترات، في أقرب وقتٍ ممكن، بات ضرورة أمام تداعي هذه الخسائر، التي لم تَترك لا ميدان اجتماعي ولا رياضي إلا علا صخبُ المُسابّة فيه، والتي تُعزز جذور الانقسام والصراع.وحين نضع المسؤولية على المنظومة الخليجية، رغم كل ما اعتراها من إشكاليات ضخمة، بعد المواسم العاصفة الأخيرة، فهذا لا يعني أننا نقلل من شأن الاتحاد المغاربي ولا بقية دوله، غير أن ظروف بقية دول الاتحاد المغاربي، والحساسيات المشتبكة في ذات الملف، قد تمنع أي قدرة لهذا التحرك العاجل.

إن إطفاء هذا اللهب والفتنة المستعرة، يحتاج أن يُتبع باستراتيجية سياسية دبلوماسية فاعلة، لتفكيك الملف القائم والقديم، وهو ملف الصحراء الغربية، وهنا يتكامل التعاضد، فخبرة قطر في تنظيم الحوارات مع الفصائل والجماعات المختلفة، تنسق مع موقع السعودية التاريخي المتوارث من عهد الملك فهد، في عقد جلسات الحوار العلنية وغير العلنية بين الجزائر والمغرب، وسيكون فاعلاً وناجحاً أن تُدمج الشراكة الخليجية بمشروع مشترك، مع الأشقاء في الجزائر والمغرب، يصب في تنمية واقتصاديات كل هذه الدول.

ونظراً لتعسّر وتعثر مسيرة الأمم المتحدة في هذا الملف فإن دعم المبادرة الخليجية لمشروع حل دائم، يُعتمد دولياً سوف يُنقذ الشعوب ودولها، للخروج من هذه الفتنة، وصناعة مستقبل وطني لكل قُطرٍ مغاربي، يحتضن آمال شبابه في الداخل وفي المهجر.

copy short url   نسخ
18/06/2023
75