+ A
A -

لم ينتظر الناس حتى يموت المرء فيمجدوه، حتى ارتبط الثناء برثاء الموتى دون الأحياء؟

لم تمحو المنية آثام الفقيد، فالموت يبلسم الجراح ويلجم العداوات.. فمن سكنت جوارحه، هاجت قلوب الناس حوله، وكم مدح عدو خصمه ونحل عليه مزايا ليست له وفضائل ما امتلكها قط ولا هو نفسه لمسها حال حياته.

تلك عجيبة من طرائف الأحياء الذين يجدون أريحية في التغني بمفقوداتهم.

حتى العظماء يعيشون فينطبق عليهم المثل «أزهد الناس في العالِم الأهل والجيران» فما أن يرحل حتى يتم أسطرته، فتعاد طبع مؤلفاتهم بعد فنائهم، وربما تخصص جوائز بأسمائهم وتفسر أدبياتهم بتأويلات ما خطرت على بال مؤلفيها، هكذا قال الدكتور علي طنطاوي في مذكراته.

فهل كان ذلك وهم أحياء يرزقون، يخطئون ويصيبون، فيصححون وبالثناء يسرون؟

سمعتها مرات «تريد أن تتغلى.. هاجر أو مُت» المهم أن تُفقَد فتُفتَقد.

واللافت أن بعد وصلات مديح الفقيد، تلمس الأعاجيب في مواقف محيطه، فإذ فجأة يتحول المرحوم لصفي، حميم، سيما لو مشهور.

فبعد رحيل سعاد حسني، ما من ممثل إلا وكان «أنتيم» للمرحومة وفجيعته فيها كبيرة رغم أنها ماتت كمداً وفقراً واكتئاباً من خذلان محيطها.

لكنهم تمعيشوا من سيرة موتها أكثر مما تكسبت هي من سيرة حياتها.

والعجيب أن أهل الفقيد يركزون على خسارتهم هم ويتقوتون بأحزانهم هم

فعلى الجمًيع مراعاة ظرفهم وفجيعتهم، ثم أنهم في مشاهد الحزن يناطحون أكابر الممثلين.

فكم شاهدنا من كان يلعن أعمامه، دونما أمل في الصلح ولو بمهاتفة أو رسالة، وما أن يموت حتى تجده لا يستحي عن معاتبة من لم يقدم له واجب العزاء في وفاة الغالي ثم تكسبا من الموقف، يتغيب عن العمل ثلاثاً حداداً على الفقيد ولا ينسى أن يرسم على محياه ملامح الانهيار، فترى دموع الرجال ويَصُمَكَ نحيب النساء.

هل لابد أن تتسرطن الزوجة أو تفشل كلوياً أو يهترئ قلبها حتى يحن قلب زوجها عليها، فتعرف طريق المطارات وتتحضر لسفرات لباريس ومدريد تهيؤا للسفرة الكبرى؟

لم الإصرار على التعامل برحمانية كنوع من المكافاة أو التعويض أو إجراء الملحق حين يسارع الطالب بمضاعفة كجهوده كمحاولة متأخرة للنجاح في العلاقة التي طالما اهملها؟

ألابد أن يتيقن الزوج أن شريكته تودع حتى تعامل بآدمية؟

إن من عظمة التاريخ أن يكرم بالخلود المشرف أو المذري كل من أعطى للإنسانية.. فأمثال د. جمال حمدان لم يسمع عنهم سوى بعيد وفاتهم ولكنهم مخلدون في لوحة الشرف بالتاريخ.. وآخرون يكرمون يومياً لأن أحذيتهم أسعدت قلوب الجماهير بأهداف كروية ثمينة.. لكن هيهات وليت نثري ألف ليت لو ثمنهم التاريخ.

«فطوبي لمن حظي بنخب مديح الأحياء عوضاً عن الاغتسال بدمع رثاء الموتى».

copy short url   نسخ
17/06/2023
45