+ A
A -
جريدة الوطن
أكد الكرملين أمس الإثنين أن «لا أساس» للقول إن روسيا تخلّفت عن سداد ديونها السيادية بالعملات الأجنبية في وقت يفرض فيه الغرب عقوبات على روسيا على خلفية غزوها لأوكرانيا.وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحفيين «لا أساس لوصف هذا الوضع بأنه تخلّف عن السداد».لكن ماذا يعني التخلف عن سداد الديون؟الحقيقة الأولى هي أن تخلُّف أي دولة عن سداد ديونها يضعها على شفا الإفلاس، والحقيقة الثانية هي أن الدولة تتخلف عن سداد ديونها الخارجية أو الداخلية؛ لأنها لا تمتلك أموالاً للسداد، لكن في حالة روسيا هذه لا تنطبق عليها الحقيقتان، وهو ما يجعل الأمر ملتبساً إلى حد كبير.أما علاقة الهجوم الروسي على أوكرانيا بالتخلُّف عن السداد فهي علاقة مباشرة، لكنها لا تعني أن التكاليف الباهظة للحرب، التي تصفها موسكو بأنها «عملية عسكرية خاصة» بينما يصفها الغرب بأنها «غزو»، هي السبب وراء ما حدث للمرة الأولى منذ أكثر من قرن، وهو ما يعني أن هناك تفاصيل فرضتها الأزمة الجيوسياسية العالمية.كان على روسيا أن تقوم بسداد فوائد ديون خاصة بشريحتين من سندات اليوروبوند المقومة بالدولار في موعد أقصاه الأحد 26 يونيو، لكن ذلك لم يحدث؛ لتصبح موسكو متخلفةً عن سداد ديونها الخارجية للمرة الأولى منذ عام 1918، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.وتبلــغ قيمة المبلغ الذي كان من المفترض أن تقوم روسيا بتسديده 100 مليــون دولار، والمؤكد أن موسكو تمتلك هذا المبلغ بالفعل كما أنها كانت ولا تزال على استعداد للدفع، ولكن العقوبات الغربية المفروضة عليها جعلت من المستحيل دفع المبالغ إلى الجهات الدولية الدائنة.وكان واضحاً أن روسيا تتجه في مسار حتمي للتخلف عن السداد، منذ أن فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات عليها في أعقاب الهجوم على أوكرانيا، خصوصاً أن تلك العقوبات الكاسحة نتج عنها عزل البنوك الروسية بصورة شبه كاملة عن نظام سويفت الدولي للتعاملات المالية.إذ إن تلك العقوبات قد أدت إلى تقييد وصول موسكو إلى الشبكات المصرفية الدولية، التي تنظم المدفوعات من روسيا إلى المستثمرين في جميع أنحاء العالم. وقالت الحكومة الروسية، منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، إنها تريد تسديد جميع المدفوعات المستحقة عليها في أوقاتها المحددة، وكانت قد نجحت بالفعل في ذلك حتى اليوم.وكانت روسيا مطالبةً بتسديد الفوائد البالغ قيمتها 100 مليون دولار يوم 27 مايو الماضي، وقامت موسكو بالفعل بإرسال تلك الأموال إلى «يوروكلير»، وهو مصرف يقوم بعد ذلك بتوزيع المدفوعات على المستثمرين.لكن هذه المدفوعات ظلت عالقة هناك، وفقاً لشبكة بلومبرغ، ولم يتسلمها الدائنون. ولم تصل الأموال في غضون 30 يوماً من تاريخ الاستحقاق، أي مساء الأحد، وبالتالي يُعتبر ذلك تخلفاً عن السداد. ولم يذكر «يوروكلير» ما إذا كان قد منع تسديد الأموال، لكنه قال إنه يلتزم بجميع العقوبات.ماذا فعلت روسيا لتفادي التخلف عن السداد؟كانت وزارة الخزانة الأميركية قد أصدرت، في بداية فرض العقوبات على روسيا، قراراً بإصدار إعفاء خاص يسمح للمستثمرين بتلقِّي مدفوعات الفائدة من موسكو، وكان ذلك الإعفاء سارياً حتى 24 مايو الماضي، لكن الوزارة قررت عدم تجديد ذلك الإعفاء الخاص في قواعد العقوبات، وانتهت صلاحيته يوم 25 مايو.وفي هذا السياق، قررت روسيا استباق موعد سداد الفوائد على سنداتها الدولية، ووقَّع الرئيس فلاديمير بوتين، الأربعاء 22 يونيو، مرسوماً يحدد إجراءات مؤقتة للوفاء بالتزامات الدين الخارجي، في الوقت الذي بدأ فيه المستثمرون مراقبة الموقف وما قد يحدث في التخلف عن السداد، بحسب تقرير لرويترز نقلاً عن وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء.وأضافت الوكالة الروسية أن بوتين أمر الحكومة باختيار بنوك في غضون عشرة أيام للتعامل مع مدفوعات السندات الدولية في ظل خطة جديدة. وجاء في المرسوم الذي وقَّعه بوتين أن روسيا ستعتبر أنها أوفت بالتزاماتها بشأن مدفوعات السندات الدولية إذا جرى دفعها بالروبل الروسي.والخميس 23 يونيو، قالت وزارة المالية الروسية إنها أوفت «بالكامل» بالتزاماتها المتعلقة بشريحتين من سندات اليوروبوند المقومة بالدولار من خلال إرسال مدفوعات الفائدة بالروبل إلى جهة الإيداع الوطنية للتسوية في أحدث محاولاتها لتجنب العجز عن سداد ديون سيادية، والمقصود هنا هو مبلغ الـ100 مليون دولار.تبلغ قيمة الديون الخارجية لروسيا 40 مليار دولار، لكن الحديث هنا يتعلق بقيمة المدفوعات الأخيرة التي تصل قيمتها إجمالاً إلى 12.51 مليار روبل (234.5 مليون دولار) مستحقة على سندات يحل أجل استحقاقها في 2027 و2047 ولا تسمح بنود تلك السندات بالسداد بالعملة الروسية.وفي بيانها الخميس، قالت وزارة المالية الروسية إن «التزامات خدمة السندات الحكومية للاتحاد الروسي تم الوفاء بها بالكامل من خلال وزارة المالية».كانت وزارة الخزانة الأميركية قد قررت، يوم 7 يونيو الجاري، منع مديري الصناديق الاستثمارية الأميركية من شراء أي دَين أو أسهم روسية في الأسواق الثانوية، إلى جانب الحظر القائم بالفعل على مشتريات الإصدارات الجديدة، وذلك في إطار تحديث عقوباتها على موسكو بسبب الهجوم على أوكرانيا.إذ إنه على الرغم من العقوبات الشاملة، التي كانت واشنطن قد فرضتها في الأشهر القليلة الماضية، فإن الأميركيين ظل مسموحاً لهم بتداول أصول قيمتها مئات المليارات من الدولارات يجري تداولها بالفعل في السوق الثانوية.وقالت الخزانة الأميركية، في توجيهات نشرت على موقعها الإلكتروني، إن الحظر يمتد ليشمل الدَّين الروسي وأسهم كل الشركات الروسية وليس فقط أسهم الشركات التي وردت أسماؤها في العقوبات.وقال متحدث باسم الوزارة: «اتساقاً مع هدفنا لحرمان روسيا من الموارد المالية التي تحتاجها لمواصلة حربها الوحشية ضد أوكرانيا، أوضحت الخزانة أن الأشخاص الأميركيين محظور عليهم القيام باستثمارات جديدة تخدم أهداف روسيا، بما في ذلك من خلال مشتريات في السوق الثانوية». لكن القواعد ما زالت تسمح للمستثمرين الأميركيين ببيع أو مواصلة حيازة أصول روسية يملكونها بالفعل.لماذا وصفت روسيا التخلف عن السداد بأنه «مهزلة»؟في ظل هذه الصورة العامة، لم تتخلف روسيا عن سداد ديونها بسبب تعثر مالي تمر به أو بسبب قرار اتخذه الكرملين بعدم السداد كما حدث في المرة الأخيرة التي تخلفت فيها موسكو بالفعل عن سداد ديونها الخارجية، أي عام 1918.إذ كانت آخر مرة تتخلف فيها روسيا عن سداد ديونها الخارجية في 1918، أثناء الثورة البلشفية عندما رفض الزعيم الشيوعي آنذاك فلاديمير لينين سداد ديون الإمبراطورية الروسية.لكن تخلف روسيا عن سداد ديونها قد حدث بالفعل من قبل وبسبب التعثر المالي. كان ذلك عام 1998، وهي آخر مرة تخلفت فيها روسيا عن سداد ديون من أي نوع، حين هزت البلاد أزمة الروبل خلال النهاية الفوضوية لنظام الرئيس الأسبق بوريس يلتسين. وفي ذلك الوقت، فشلت موسكو في الاستمرار في سداد مدفوعات سنداتها المحلية، لكنها لم تتخلف عن سداد ديونها الخارجية.وأقر وزير المالية أنطون سيلوانوف أن المستثمرين الأجانب لن يتمكنوا من تلقي المدفوعات، وفقاً لما ذكرته وكالة أنباء ريا نوفوستي. وقال إن ذلك يعود لسببين: الأول هو أن البنية التحتية الأجنبية -البنوك المراسلة وأنظمة التسوية والمودعين- ممنوعة من إجراء أي عمليات تتعلق بروسيا.والثاني هو منع المستثمرين الأجانب من تلقي مدفوعات منا. ونظراً لأن روسيا تريد الدفع ولديها الكثير من المال للقيام بذلك، نفى وزير المالية أن يكون هذا بمثابة تخلف حقيقي عن السداد، والذي يحدث عادةً عندما ترفض الحكومات الدفع، أو عندما تكون اقتصاداتها ضعيفة جداً بحيث لا يمكنها إيجاد المال.ونقلت وكالة ريا نوفوستي عنه قوله:»جميع من يعرفون، يدركون أن هذا ليس تقصيراً على الإطلاق. وأضاف أنّ هذا الوضع برمته يبدو وكأنه مهزلة. وعلى الرغم من أن التخلف عن السداد يمثل ضربة رمزية، فإنه لن يكون له سوى القليل من التداعيات العملية المباشرة بالنسبة لروسيا.وعادة ما تواجه الدول المتعثرة استحالة اقتراض المزيد من الأموال، لكن روسيا كانت ممنوعة بالفعل من الاقتراض في الأسواق الغربية بسبب العقوبات. وعلى أي حال، يقال إن روسيا تكسب نحو مليار دولار يومياً من صادرات الوقود الأحفوري، وقال سيلوانوف في أبريل، إن ليس لدى البلاد خطط لاقتراض المزيد.الخلاصة هنا هي أن تخلف روسيا عن سداد ديونها الخارجية لا يرجع إلى تعثرها المالي أو عدم قدرتها المالية على السداد، علماً بأن الولايات المتحدة الأميركية هي أكبر دولة مدينة في العالم، إذ بلغت الديون الأميركية أكثر من 28 تريليون دولار، في أغسطس 2021، أي ما نسبته أكثر من 133 % من إجمالي الناتج القومي الأميركي.
copy short url   نسخ
28/06/2022
0