+ A
A -

على هامش معرض الدوحة للكتاب تستوقفك على مواقع التواصل مشاهد إيجابية لفضاءات مخصصة للأطفال، حرص المنظمون على إدماجها ضمن فعاليات المعرض، هذه البادرة تعتبر أبرز ما يميز هذه الدورة لمعرض الكتاب بالدوحة لأهميتها الكبيرة في السياق التواصلي الذي يشهده العالم والمنطقة العربية بشكلٍ عام.

إن الطفرة السريعة التي عرفتها المنصات الرقمية خلال العقود الأخيرة وما أحدثته من تغيرات عميقة في نمط التربية والتعليم لدى الناشئة تحوّلت إلى هاجس يهدد مستقبل أجيال بكاملها، لقد سقط الأطفال في حالة من الإدمان غير المعلنة على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى التطبيقات الذكية سواء منها الترفيهية أو التعليمية. هذا الوضع الخطير هو الذي دفع كثيرا من أهل التربية والتعليم إلى دق ناقوس الخطر من أجل إعادة الطفل إلى عالم التربية والتعليم القديم المؤسس على الكتاب كفاعل محوري داخل هذا النظام.

إن تعلّق الطفل بالكتاب والقراءة إنما يبدأ في سن مبكّرة تحقق له حالة من الحصانة الذاتية في مواجهة كل التهديدات الرقمية التي أصبحت تشكل خطرا حقيقيا على الصحة التربوية للطفل. هذه الخلاصة هي التي توجب توجيه الطفل باكرا نحو عالم القراءة والقصة حتى يتحقق هذا الارتباط بين الكتاب وذاكرة الناشئة، وهو الأمر الذي حرص معرض قطر الدولي للكتاب على تحقيقيه.

صحيح أن الطفل لا يستطيع بمفرده إلا في حالات نادرة إدمان القراءة، بل يستوجب تحقيق هذا الهدف أن يكون المربي أبا كان أو أما أو معلما، مصاحبة الطفل ومشاركته هذه العادة قبل أن يتمكن من التحليق بنفسه في عالم القراءة. إن السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل تعتبر سنوات مفاتيح تتشكل من خلالها ملكاته الذهنية الأولى وتحدد من خلالها قدراته اللسانية والمعرفية الأساسية.

إن القدرة على تحقيق هذا الارتباط المبكر بين الطفل والكتاب والنجاح في طبع هذه العلاقة بطابع المتعة والاستقلالية يعتبر أهم أبواب النجاح في التأسيس لشخصية ذهنية سويّة قادرة على مواجهة كل الصعوبات التربوية والتعليمية في المستقبل. ليست القراءة في الحقيقة مقتصرة على تطوير القدرات اللسانية من معجم ونحو وصرف وبناء الجمل وفهم التراكيب بل هي كذلك تأسيس لعالم المتخيل وفضاء التأويل والاستبطان والفهم والإدراك الضروري لبناء شخصية الطفل.

بناء على ما تقدم فإن المناسبات الثقافية التي تشجع على القراءة هي الفرص الأخيرة المتبقية أمام الأجيال الصاعدة للتحرر من إدمان العالم الرقمي والولوج إلى عالم المعرفة الحقيقي المؤسس على القراءة والفهم والتأويل والإدراك.محمد هنيد

أستاذ محاضر بجامعة السوربون

[email protected] -

copy short url   نسخ
15/06/2023
10