+ A
A -
تعتبر مشكلة البطالة واختلالات أسواق العمل في البلدان العربية من أهم العوامل التي ساهمت في خلق حالة الإضرابات السياسية التي انتهت بموجة الربيع العربي في المنطقة. والخطير أن هذه المشكلة مزمنة، بمعنى أنه حتى في فترة الانتعاش الاقتصادي والتي كانت معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلالها تربو على 5 % في المتوسط- كما في الفترة 2002-2007 -كانت معدلات البطالة الإجمالية خلال نفس الفترة تزيد على 10 % وأعلى من ذلك بكثير بين فئة الشباب المتعلمين (تزيد على 25 %).
وهكذا، أدى ارتفاع معدلات البطالة إلى استبعاد شرائح كبيرة من السكان من تقاسم ثمار النمو، ومازالت هذه المعضلة الكبرى إلى الآن أحد العوامل الهامة في عدم الاستقرار السياسي الذي تعاني منه المنطقة.
ولذا وحتى تتم مواجهة معدلات البطالة المرتفعة، مع استمرار العجز المالي المرتفع نتيجة انخفاض الإيرادات السيادية والموارد الريعية، أعلنت كل حكومات المنطقة تقريبا– مدعمة بموافقة ودعم من البنك الدولي وصندوق النقد- أن إيجاد فرص العمل وخاصة للشباب في «القطاع الخاص» يعتبر هو الهدف الرئيسي للسياسات الاقتصادية. يجدر الذكر أن القطاع الخاص هو الأمل حيث إن القطاع العام متخم بالعمالة الزائدة وفى معظم الدول العربية يلتهم البند الأول من ميزانيتها (بند اجور عمال القطاع الحكومي والعام) نصف إيراداتها، ومع ذلك، لم يتحقق الكثير في هذا المجال. ومن هنا كان لابد أن يساهم الاقتصاديون العرب ببعض الأبحاث التي تحاول أن تدرس ماهية العوامل والظروف اللازمة للشركات الخاصة حتى تخلق فرص العمل.
ومن الأبحاث التي تم إنتاجها مؤخرا بواسطة منتدى البحوث الاقتصادية بحث يحمل عنوان هذا المقال ويقوم بتسليط الضوء على أهم محددات نمو الوظائف داخل الشركات الخاصة في سبع دول عربية هي مصر والمغرب واليمن وتونس والأردن ولبنان وفلسطين. استخدمت الدراسة بيانات من مسح عالمي للبنك الدولي لشركات القطاع الخاص وتم تقسيم الشركات إلى ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى هي الشركات سريعة النمو والتي زاد توظيفها للعمالة أكثر من 50 % خلال الفترة من 2009-2012 (الغزلان)؛ المجموعة الثانية هي الشركات التي زاد توظيفها للعمالة بنسبة بين 1 و49 % خلال نفس الفترة 2009-2012 (السلاحف)؛ أما المجموعة الأخيرة فهي الشركات ذات النمو الصفري أو السلبي في العمالة.
وتظهر نتائج الدراسة أن الغزلان يهيمنون على خلق فرص العمل في بلدان مثل مصر وتونس ولبنان، وتصل نسبة خلقهم للوظائف إلى 92 % من الإجمالي في بعض الحالات رغم عددهم القليل. وبعبارة أخرى، فإن القطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يسيطر عليه عدد كبير من «السلاحف» أو الشركات ذات النمو البطيء (إن وجد) والمساهمة الضئيلة أو المعدومة في خلق فرص العمل.
ولقد قامت الدراسة بتحليل إحصائي مفصل لخصائص كل مجموعة من الشركات ثم تقدير نموذجي لتحديد الدوافع والعوامل المحددة لخلق الوظائف في كل مجموعة.
وبينت نتائج الدراسة أن السلاحف التي تسيطر على القطاع الخاص تميل إلى أن تكون أكبر سنا (سنة الإنشاء)، وأقل ابتكارا، ولديها قيود مالية-ائتمانية أقل من نظرائها كما أنها أصغر حجماً من الغزلان. أما الغزلان فإنها تمثل أقلية من شركات المنطقة وتميل إلى تكون في المتوسط أصغر سنا وأكثر ابتكارا، وإن كانت تعاني من قيود مالية/ائتمانية أكثر من السلاحف. وما يميز الغزلان أنها تستثمر في البحث والتطوير.
وهكذا يمكن أن تفيد مثل هذه النتائج صانع القرار السياسي والاقتصادي في عملية تصميم سياسات العمالة والاستثمار، حيث إن الجهود الحكومية الرامية للحد من البطالة بناء على ما سبق يجب أن تستهدف دعم الشركات الجديدة- الشبابية المتوسطة والكبيرة الحجم والتي يقودها مديرون على مستوى عال من التعليم والتي لديها استثمارات قائمة في البحث والتطوير كما توضح النتائج. فإذا ما استفادت هذه الشركات من الدعم الحكومي (مثل الإعفاءات الضريبية، أو المنح أو تسهيل الائتمان، وغير ذلك من أشكال الدعم) وهي الأكثر احتياجا لأنها غالبا ما تواجه قيودا مالية وائتمانية فسيساعد ذلك على أن تثبت نفسها في السوق وتخلق الوظائف المطلوبة. وبما أن الدراسة تشير إلى أن الاستثمار في البحث والتطوير يرتبط ارتباطا إيجابيا بإيجاد فرص العمل، فإن أي نوع من التشجيع على الإنفاق على البحث والتطوير (قد يكون من خلال تسارع استهلاك رأس المال أو قروض بفائدة منخفضة، وما إلى ذلك) سيكون مفيدا كسياسة لخلق فرص العمل المستهدفة.

بقلم : حسن يوسف علي
copy short url   نسخ
02/08/2017
2782