+ A
A -

استعرضت الكثير من الشعارات والحِكَم والأمثال التي تمجِّد القراءة وأهميتها، وتدعو إليها وتحث عليها، فلم أجد أصدق وأدق من الشعار الذي تم اختياره لمعرض الدوحة الدولي للكتاب المقام حاليا بنسخته الثانية والثلاثين ويقول: «بالقراءة نرتقي»، لقد اختصر هذا الشعار عشرات الكتب والندوات التي تدور حول أهمية القراءة ودورها في رفعة الأمم ونهضة الأوطان بكلمتين قصيرتين لكنهما معبرتان دالتان، فلو عُدنا إلى زمنٍ بعيد من تاريخ الأمم لوجدنا بعضها قد سادت لأنها اعتادت القراءة وقدَّرتها حق قدرِها، وأخرى قد بادت لأنها أهملت القراءة وألقت بها وراء ظهرِها.

ولم يكن الشعار وحده ما يميز المعرض هذا العام، ولكن به من الإجادة ما يستحق منا الإشادة، فعلى سبيل المثال لا الحصر يحسب للجنة المنظمة بوزارة الثقافة أنها وضعت في الاعتبار توجيه الناشرين إلى المشاركة بالجديد من ثمرات المطابع، حتى توفر للقارئ في قطر ما صدر حول العالم من الأوعية الثقافية عن التحولات الدولية والحراك المعرفي والمعلوماتي للعصر الراهن، عصر التقنيات والذكاء الاصطناعي، عصر أصبح الواقع أغرب من الخيال، فأصبح المعرض منبرا مفتوحا على كل الثقافات.

يتسم معرض الدوحة بسهولة وصول القارئ إلى مبتغاه من الكتب دون معاناة البحث بين مئات الأجنحة، نظرا لتوفير الدليل الورقي والرقمي، وإتاحته على موقع المعرض، وبه عنوان كل كتاب واسم مؤلفه ودار النشر ومكان الجناح، إلى جانب كوكبة من الشباب الواعي في الاستعلامات يرشدون الزائر إلى حيث يريد، ناهيك ترتيب الأجنحة بحسب الدول المشاركة، وتخصيص أجنحة للأطفال وأخرى للوسائط الرقمية والتقنية، فالتنظيم عموما لا ينقصه شيء، والناشرون يعرفون قدرة قطر الفائقة على تنظيم كبريات الفعاليات وما تنظيم المونديال ببعيد.

جولة داخل المعرض وحضور بعض الفعاليات المصاحبة ما بين ندوات تتجلى خلالها الإبداعات الأدبية بكل مجالاتها الشعرية والروائية والنقدية والفكرية والسياسية والعلمية، تقدمها النخب المتخصصة تخلق جوا من التفاعل الفكري الرائع.

وما يميز المعرض أيضا ويمنحه قيمة مضافة اختيار المملكة العربية السعودية كضيف الشرف، فالمملكة صاحبة إرث ثقافي رصين وحاضر مزدهر في كل مناحي الحياة، أول ما استقبلت الوحي بالأمر الإلهي للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى «اقرأ»، فهذا الاختيار الموفق إلى جانب كونه تعزيزا لروابط الإخوة المتينة يمثل فرصة لفعاليات تجمع بين الأصالة والمعاصرة، نشم منها عبق الماضي، وتستحضر أجواء أسواق عكاظ والمجنَّة وذا المجاز التي أحيتها المملكة من جديد في ذات أماكنها، لتكون موئل الشعراء والروائيين، وحاضنة الحرفيين والفنانين، لتقديم قيمة معرفية من خلال الندوات الثقافية والأمسيات الشعرية والأدبية ومعارض الرسم والتصوير والحرف والأشغال اليدوية، إضافة لتنظيم عدد من المسابقات والفعاليات الأدبية، وعرض الإصدارات القيمة من الكتب والدراسات، فضلا عن الروايات والمجموعات القصصية، والدواوين الشعرية، لنعايش محاكاة لشعراء المعلقات، كما أن الفعاليات سوف تعكس ما تزخر به المملكة ويتحقق على أرضها الآن من ازدهار شامل في سياق التحولات المفصلية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وصناعيا. إلخ.

قيمة أخرى لا بد من التطرق إليها ولو سريعا، تتعلق بالجوانب الاقتصادية، تتمثل في الصفقات التي تعقد على هامش المعرض بين الناشرين وبعضهم، وبين الناشرين ودور الطباعة وكذلك المؤلفين، ولا أدري ما السبب الذي يجعل معظم من يتناولون معارض الكتب في أحاديثهم ومقالاتهم يتجنبون الحديث عنها مع أنها من صميم الموضوع وتشكل حيزا كبيرا من اهتمامات الناشرين والموزعين وكل أطراف صناعة الكتب، وقد تجلى هذا الجانب الاقتصادي عندما تأثرت عمليات شحن الورق ومعدات الطباعة سلبا جراء اضطرابات سلاسل الإمداد وقت جائحة كورونا، كما أن النشر الرقمي خلق شكوكا وارتباكا حول حقوق الملكية الفكرية، ولن نذهب بعيدا إذا قلنا أن معارض الكتب ما هي إلا أسواق كتب، لأن الكتب فيها ليست للعرض فقط وإنما للبيع والشراء، والأكثر من هذا أن معرض فرنكفورت الأكبر من نوعه في العالم، يسمى Book fair أي سوق الكتاب، فمن بين المعاني العربية لكلمة fair «سوق»، وعطفا على حديث الاقتصاد هذا لا يختلف اثنان على أن معرض الكتاب يحفز النشاط السياحي، ويرفع من نسبة إشغال الفنادق نوعا ما، فضلا عن حرص الناشرين على التجول في الأسواق وزيارة بعض المعالم، خلاصة الحديث عن هذا المعرض فرصة للانخراط في مجتمع «اقرأ لترتقي».

بقلم: د. بثينة حسن الأنصاري خبيرة تطوير التخطيط الاستراتيجي والموارد البشرية

copy short url   نسخ
14/06/2023
225