+ A
A -
لا يجب أن تطغى الفرحة بالانتصار على «داعش» في الموصل، على الواقع المرير الذي يجسده حجم الدمار الهائل الذي أصاب الإنسان والحجر في المدينة العريقة. الفرحة مستحقة لأن مهمة التحرير كانت شاقة بكل تأكيد، ولكن إعادة الإعمار يجب أن تتجه إلى الإنسان قبل الحجر، ليس فقط لأن الدمار شمل الاثنين، وإنما لأن المواطن الموصلي دفع ثمنا غاليا من حياته وإنسانيته، وهو الطرف الأصيل في أي تصور سياسي مطروح لمستقبل المدينة العريقة.
بعد كل الدمار الذي أصاب الإنسان والحجر، فإن الإعمار لاستعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه في أقل الأحوال أو تحسينها في أفضلها ليس له من طريق سوى التعامل مع المشكلات التي تسببت في هذا الخراب وطرح الحلول لها بكل أمانة وصدق وإرادة وطنية. البداية من إعادة بناء الحجر ربما تكون أيسر من الشق الثاني من القضية وهو إعادة بناء الإنسان. الأرقام المالية المتداولة تتراوح ما بين عشرات أو مئات المليارات من الدولارات.. ولكن ضخامة المبالغ المفترضة لم تثن دولة مثل الكويت عن أن تبادر بأنها على استعداد لتبني دعوة دولية لتشكيل تحالف دولي لإعمار الموصل، إلا أن هذا الحل لا يمكن التعويل عليه كثيرا استنادا إلى تجارب سابقة كلها واجهت مصاعب جمة ولم تحقق المرجو منها على كل حال.
التعثر في إعادة الإعمار على صعيد بناء الحجر يرجع أساسا إلى أنه تابع للنجاح أولا في معالجة الشق المتعلق بإعادة بناء الإنسان. هنا يتركز الاهتمام على التحديات القائمة وعلى الحلول المقترحة للتغلب عليها. هذه التحديات أمنية، وسياسية، واجتماعية. هناك من يقترح أن يكون لإقليم نينوى وبالتالي الموصل هيئة أمنية مستقلة تتبع السلطة المركزية لا أي تشكيل جديد لمجلس المدينة أو المحافظة. ولكن هذا الاقتراح يتعرض لمشكلة قانونية أو دستورية حيث إنه غير ممكن في ظل القانون والدستور الحاليين، والحل في يد البرلمان الذي يوفر الغطاء الدستوري لحل كهذا. ولا يتحقق ذلك إلا بموافقة البرلمان وهو أمر موضع شك إلا لو حدث توافق بين كل القوى الممثلة فيه.
وأما التحدي السياسي فهو متعدد الجوانب، وفكرته هي أن تتشكل حكومة محلية في الإقليم ذات صلاحيات موسعة في الحكم الذاتي، وتضم تنوعا متوازنا من السنة والشيعة والأكراد، وتمنح موارد أكبر من ذي قبل وذلك لعدم تكرر ما كان موجودا في السابق وتسبب في تمكين «داعش» من السيطرة على المدينة وارتكاب أفظع الجرائم، ولكن هذا الحل يواجه عدة عقبات منها الموقف من مشاركة الحشد الشعبي الشيعي في الصيغة الجديدة لإدارة المدينة والإقليم معا، وكذلك الموقف من البشمركة أو القوات التابعة لحكومة أربيل الكردية، وكلا الطرفين شارك بقوة في هزيمة التنظيم وبالمقابل عليهما تحفظات قوية من سنة المنطقة وقادة عشائرها.. وفي كل الأحوال ستكون الحكومة معنية بألا يتسبب تغيير الحكم في إيجاد أسباب جديدة لعدم الاستقرار.
وأخيرا الوضع الاجتماعي المعقد الذي يدفع إلى ترسيخ الطائفية لا العمل بمبدأ المواطنة.
فالسنة يشعرون بأنهم مظلومون بعد تهميشهم سياسيا لصالح الشيعة ولإلصاق تهمة مساندة «داعش» طوال الفترة الماضية انتقاما من الحكومة المركزية ومن الفظائع التي ارتكبها في حقهم الحشد الشعبي الذي أصبح قوة شرعية إقرار الحكومة والبرلمان. والأكراد من جانبهم يريدون تمثيلا لهم في الوضع الاجتماعي الجديد خاصة بعد أن أوجدوا لأنفسهم أرضا جديدة في البلاد.
الوضع المستقبلي كما هو واضح بالغ التعقيد ولن يجدي معه إعادة بناء الحجر هنا أو هناك، ويتطلب قدرا عاليا من التوافقات السياسية بين جميع الفرقاء، ومؤازرة من التحالف الدولي سواء بتوفير المزيد من المساعدات الإنسانية أو الانخراط مع الحكومة والبرلمان للمشاركة في التوصل إلى صيغة سياسية تعيد بناء المواطن الموصلي على قواعد المواطنة والعيش المشترك والعدالة في توزيع الموارد.

بقلم : د. عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
22/07/2017
2505