+ A
A -

تنطلق في الدوحة اليوم فعالية على درجة عالية من الأهمية، هي النسخة الأولى من منتدى قطر العقاري، الذي يستمد أهميته وتفرُّدَه من عدة روافد، أهمها على الإطلاق أنه لا يوجد قطاع من قطاعات الحياة كلها من الألف إلى الياء إلا ويرتبط ارتباطا مباشرا بقطاع العقارات، فهو الداعم لكل البرامج والأنشطة الاقتصادية والتقنية والصناعية والسياحية والتجارية والصحية والرياضية وغيرها، والضامن لتحقيق الحياة الكريمة والوصول إلى الرفاهية التي تنشدها الإنسانية، كما يستمد المنتدى أيضا أهمية بالغة من عناوين المحاور التي يتم مناقشتها على مدار يومين، وتم اختيارها بعناية فائقة، تعكس وعيا عميقا لدى الذين وضعوها بأهمية القطاع، من حيث مستقبله واستشرافه، وآليات الحوكمة والتمويل، من أجل أن يستكمل المستثمر رحلته دون تردد، لإنجاز مشروعاته والمضي قدما في استثماراته، وهو مطمئن إلى ما له من حقوق وما عليه من واجبات، تفرض مراعاة الابتكار الرقمي والاستدامة. ومن المحاور التي تحظى بأهمية بالغة ليس لدى المشاركين فحسب، وإنما أيضا لدى عموم المتابعين محور واقع القطاع العقاري في قطر بعد انتهاء منافسات كأس العالم 2022، وعودة ضيوف المونديال إلى بلادهم، فهذا المحور شغل مساحة كبيرة من تفكير المهتمين بالشأن العقاري في قطر.

يتميز المنتدى كذلك بمشاركة نخبة من المتحدثين الذين يمتلكون ناصية القول في هذا الشأن، لما لهم من خبرة عملية وتجارب واقعية، تؤكد الخروج من المناقشات بتوصيات أو رؤى وأفكار صالحة للتنفيذ، ترسم خريطة طريق يسير على هديها المعنيون بمستقبل التنمية العقارية في وطننا الغالي، ولأن الشيء بالشيء يذكر وعلى ذكر القطاع العقاري في وطننا الغالي قطر لا يخفى على كثير منا تخوف البعض من زيادة المعروض مع قلة الطلب بعد انتهاء بطولة كأس العالم التي حرَّكت عمليات التأجير والبيع قبل وأثناء المنافسات، لكن من يفكر في الأمر مليا وجليا يتأكد أن الدولة بما تقر من لوائح للحوكمة وإجراءات سهلة ميسورة وخيارات عدة للتمويل لم ولن تدع قطاعا تم ضخ المليارات فيه كاستثمارات مضمونة الربحية مهددا بشبح الركود، مما يعني أن الاستثمار العقاري في قطر هو الملاذ الآمن والحصان الرابح حاليا ومستقبلا، خصوصا وأن مستوى العقارات هنا قد سبق عصره، فالمزايا العقارية الجاذبة للمستثمر المحلي والأجنبي غير موجودة في بلد آخر، وبدأت من حيث لم يصل الآخرون بعد، وما مشيرب ولوسيل كمدن زكية وفرص استثمارية مضمونة الربحية إلا دليل حي على هذه الحقيقة.

إن نظرة على محاور المنتدى تجعل أي كاتب يحتار في أن يتساءل أي محور يختار ليبدأ الكتابة عنه أو يستطرد بالحديث فيه أكثر من غيره، فلا أبالغ لو قلت إن كل محور منها في حاجة إلى أن يُفرد له منتدى مستقل، لذلك رأيت أن أبدأ بما بدأ به من صاغوا هذه المحاور، أعني التوجهات المستقبلية، فهم لم يتميزوا في اختيارها فقط ولكن أيضا في طريقة ترتيبها، وهو الترتيب الذي يستلهم من رؤية قطر الوطنية 2030 وينسجم معها، ومع أي تفكير مهتم بالمستقبل، ذلك لأننا دخلنا عصر الذكاء الاصطناعي والرقمنة والأتمتة، الذي أخذ يتمدد حاليا في كل مفاصل حياتنا وأنشطتنا، وفي مقدمتها نشاط القطاع العقاري، فكل الطرق التقليدية في مجالات القطاع كافة ستصبح عما قريب تاريخا من الماضي.

التوجهات المستقبلية في قطاع العقارات تتشعب إلى أنماط تُعنَى بتصميمات المباني وتجهيزها وتشطيبها ومواقعها بحيث تتعامل مع تداعيات ظاهرة الاحتباس الحراري التي لا يلوح لها حتى الآن حل في الأفق القريب، مثل العوامل الطبيعية من أعاصير وفيضانات وتصحُّر وغيرها مما يهدد الثروة العقارية بشكل مباشر، ويؤدي إلى ارتفاع التكاليف وانخفاض العائد على الاستثمار وضعف الإقبال على المساكن التقليدية، لذلك فالتوجه في هذا الصدد والذي بدأ في قطر بالفعل كله أو معظمه هو التوسع في بناء العقارات صديقة البيئة واستخدام الزجاج المُزدوج في النوافذ والأبواب، وعوازل الجدران، والمصابيح المُوفرة للكهرباء، والصنابير الموفرة للمياه، والأجهزة الذكية لتنظيم الحرارة، والألواح الشمسية للحصول على الطاقة المتجددة، وأنظمة تساعد على إبقاء المباني أكثر برودة واستدامة، وهذا التوجه تعزَّز مع إجراء دراسة في بريطانيا كشفت نتائجها أن 98 في المائة من المُستأجرين والمشترين على استعداد لدفع تكاليف إضافية للسكن تبلغ ما بين 20 و30 في المائة مقابل العيش بمنازل صديقة للبيئة، تتوفر بها المواصفات المذكورة آنفا.

وبالنسبة للمطورين والوكالات العقارية فإن التوجهات المستقبلية تفرض وقد بدأت بالفعل الاستعانة بالذكاء الاصطناعي والخوارزميات لإتاحة المجال لعملائها للوصول إلى أدق التفاصيل والمعلومات حول مواصفات العقار عن بعد من حيث الموقع والمساحة والتصميم الداخلي، وطرق إتمام إجراءات البيع والشراء والتأجير المختلفة وإجراءات التمويل، وسداد ديون الرهن العقاري والاختيار بين أنواع القروض المختلفة لاختيار القرض والمستثمر الأنسب دون الاضطرار إلى تحمل مشقات التجول بين المكاتب، كما ترشد تطبيقات الذكاء الاصطناعي الوكلاء على الزبائن المحتملين والجادين بطريقة أسهل وأسرع وأكثر فاعلية.

الحديث عن هذا الموضوع وحوله ممتع وبه تفاصيل كثيرة مشوقة، واكتفي بهذا القدر، ونواصل الفائدة والمتعة من خلال مناقشات المنتدى وجلساته، ولا يفوتني في الختام تقديم الشكر لوزارة البلدية التي أخذت زمام المبادرة ونظمت هذا المنتدى، نتمنى التوفيق في هذه النسخة والنسخ القادمة بإذن الله.

copy short url   نسخ
04/06/2023
60