+ A
A -
المقصود بالعنوان أعلاه هو التساؤل عن إمكانية انتقال المقدرة التقليدية لمنظمة الأقطار المصدرة للبترول (الأوبك) على تحديد أسعار النفط العالمية إلى الولايات المتحدة الأميركية.. فهذا ما ادعى هنا أنه يمكن أن يحدث خلال السنوات الثلاث القادمة.
لقد حدث بالفعل تحول في ميزان القوى في عالم النفط- منذ نوفمبر- من منطقة الشرق الأوسط ومنظمة (الأوبك) وبخاصة الدول العربية المصدرة للبترول ونحو الأميركيتين، وبخاصة الولايات المتحدة.. هذا ما قالته «راشيل زيمبا» المحللة الاقتصادية في منظمة «روبينى العالمية» لمؤسسة بلومبرج الإخبارية منذ عدة أيام.
جدير بالذكر أننا أشرنا في مقالات سابقة، إلى أن التغيرات التي أدت إلى الانخفاض الهائل الذي حدث في أسعار النفط العام الماضي هي تغيرات هيكلية وليست مؤقتة ومن ثم نتوقع أن تظل أثارها السلبية مع دول النفط لفترات طويلة قادمة. والسبب الأساسي هو «التقدم التكنولوجي» في مجال استخراج النفط الصخري والذي ساعد على تحول الولايات المتحدة الأميركية من أكبر مستورد للنفط لأكبر منتج له.. لقد تضاعف الإنتاج الأميركي خلال الست سنوات الماضية، مما أدى إلى انخفاض واردات أميركا النفطية.. الجديد هنا أن النفط الأميركي سينافس أيضاً خلال السنوات القليلة القادمة على موقع متقدم بين الدول المصدرة وليس المنتجة فقط.
ولعل التقدم التكنولوجي لم يؤثر فقط على مجال إنتاج واستخراج النفط وإنما أيضاً على مجال التنقيب عن النفط. يكفي القول إنه قد زادت قاعدة الاحتياطي الأميركي العام الماضي بأكثر من إجمالي احتياطيات البلاد المؤكدة في عام 1971.. هذا وتؤدي وتيرة التقدم التكنولوجي إلى خفض التكاليف بنسبة تتراوح بين 10 و15 في المائة سنوياً مع رفع معدلات الاسترداد بمبالغ مماثلة.. ومن ثم من المتوقع أن يصل إنتاج الولايات المتحدة المتوقع 5 ملايين برميل يومياً هذا العام 2017 (حوالي 5 في المائة من الإنتاج العالمي).
ولعل الولايات المتحدة التي تحولت من أكبر مستهلك للبترول وأكبر مستورد إلى أكبر منتج لتنافس المملكة العربية السعودية ستقوم الآن بزيادة صادراتها بحيث تصبح قوة لا يستهان بها. تتوقع شركة «بيرا» للطاقة أن تبلغ صادرات النفط الخام الأميركية 2.25 مليون برميل يومياً بحلول عام 2020.. وهذا سيتفوق على ما يصدره معظم أعضاء أوبك، وفقاً لما ذكرته الفايننشال تايمز.. هذا معناه زيادة القوة والمقدرة العالمية لتسعير النفط لدى المنتجين الأميركيين وعلى حساب السعودية -زعيم الكارتل- الذي يبدو عليها الآن أنها غير مستعدة للتعايش مع انخفاض الأسعار لفترة طويلة من الوقت.. وذلك بسبب التزاماتها المالية الناشئة من حربها في اليمن ومحاولة تنويع اقتصادها بحسب خطة ورؤية 2030 التي يتبناها ولى العهد الشاب.. وأخيراً محاولة إخضاع قطر لفلكها السياسي والتي تؤدى بالضرورة إلى اضطراب في منظومة العمل داخل مجلس التعاون ومنظمة الأوبك.
وهكذا يتضح أن فشل الأوبك في كبح جماح المنتجين الأميركيين ورفع الأسعار جعل خطط الخصخصة السعودية مثل الاكتتاب العام الكبير لشركة أرامكو أكثر خطورة من قبل بضعة أشهر.. في جميع الحالات لم يتوقع الكثير أن ينجح منتجو النفط الصخري في استخدام الابتكارات التكنولوجية لخفض تكاليف الإنتاج بهذا الشكل الهائل الذي جعل جاري روس، رئيس قطاع النفط العالمي في بيرا، يصرح لصحيفة فايننشال تايمز: «أن هذه أخبار سيئة للغاية بالنسبة لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)»، كما أشار إلى «إن هذا المعدل اليومي للإنتاج سيعطي الولايات المتحدة مكاناً مميزاً بين أكبر 10 دول مصدرة في العالم».
والمشترون الرئيسيون للنفط الأميركي هم اقتصادات آسيوية وأوروبية، كما يتم شحن النفط الخام إلى أميركا اللاتينية.. وفي مايو الفائت كانت كندا أكبر سوق للصادرات الأميركية الخام، حيث بلغت 372 ألف برميل يومياً.. ووصلت صادرات النفط الأميركية إلى الصين إلى 147 ألفاً وإلى هولندا 108 آلاف.. ومن بين الدول الأخرى التي صدرت إليها الولايات المتحدة النفط الخام بكميات صغيرة ماليزيا والمملكة المتحدة وكولومبيا وبيرو وجزر البهاما وإسبانيا والنرويج وإيطاليا وفرنسا وكوريا الجنوبية واليابان والأرجنتين.
والخطر هنا أن هدف الولايات المتحدة لن يكون بالضرورة متوافقاً مع أوبك التي تحاول «السيطرة على الإنتاج في محاولة للحفاظ على ارتفاع الأسعار».. وبعبارة أخرى، بحلول عام 2020، ستصبح الولايات المتحدة منافساً عتيداً لدول الأوبك، حيث إنها ستمثل أكبر مستهلك وأكبر منتج وأيضاً من المصدرين الأوائل في العالم وهذا سيعطيها قوة هائلة لموازنة الإنتاج والسيطرة على سوق النفط العالمي.

بقلم : حسن يوسف علي
copy short url   نسخ
19/07/2017
2740