+ A
A -
مجددا تثبت الدبلوماسية القطرية «علو كعبها» في هذه الأزمة وطريقة إدارتها لمجرياتها وكيفية التعامل مع معطياتها، وفق أصول العلاقات السياسية والقوانين الدولية، مما أكسبها «التوهج» رغم حملة «التهييج» التي تنتهجها دول الحصار لتأليب الرأي العام العالمي ضد قطر، ولكن هيهات بين من يعمل بموضوعية وشفافية وعقلانية، والكلمة الأخيرة هي الوصف الحرفي الذي نطق به وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في خضم حديثه عن مواقف قطر في هذه الأزمة، وشتان بين ما يقوم به الطرف الآخر من سلوك متهور وأداء مراهق أضر بسمعة هذه الدول ولم ينل من سيادة قطر وثبات موقفها وتلاحمها الرسمي والشعبي.
قطر لديها موقف ثابت من الإرهاب بكافة أشكاله، وأعلنت الحرب عليه ضمن التحالف الدولي والإسلامي وهي شريك استراتيجي للولايات المتحدة في هذه المهمة كما قالها الرئيس دونالد ترامب في قمة الرياض، وترفض كل أوجه العنف وترويع الآمنين في كل أرجاء العالم، مستمرة في مواجهة هذه الظاهرة الأخطر على الأمن والسلم الدوليين، كما تعمل جنبا إلى جنب مع القوى الكبرى ودول الإقليم لتفعيل الشراكة وتطويرها وبحث كل ما من شأنه المساهمة في القضاء على هذه الظاهرة.
وفي هذا الصدد وقعت قطر على مذكرة التفاهم مع الولايات المتحدة الأميركية لمكافحة تمويل الإرهاب كأول دولة تنضم لهذه الاتفاقية التي ليس لها علاقة بالأزمة وجرى التنسيق لها قبل فترة، لكن نستخلص من خلالها حرص الدوحة العملي والفعلي والحقيقي على التصدي للإرهاب إلى جانب الدولة الأكثر تأثيرا في العالم، مما يؤكد سلامة موقفها ويحرج دول الحصار ويضيّق عليهم الخناق بعد أن أصبحت اتهاماتهم «كلام في الهواء» وهم يرون أميركا تواصل التعاون مع قطر في هذا المجال، وعليهم التوقيع على هذه الاتفاقية لتأكيد حرصهم على محاربة الإرهاب وإن كانت ملفاتهم في هذه القضية حافلة بالمخالفات وما زال العالم كله يتذكر الحادث الإرهابي الأبشع هجمات 11 سبتمبر والتي نفذها «19» انتحاريا وتضم التشكيلة عناصر مؤثرة من السعودية والإمارات فيما كابتن الفريق من جمهورية مصر العربية.. أما البحرين فهي لديها لقب مفتي داعش قبل أن يلقى حتفه مؤخرا بغارة جوية في محافظة دير الزور شرق سوريا.
لذلك سيبقى خطر قانون جاستا الأميركي قائما وربما يظهر له صديق جديد وهو «جاستا البريطاني»، بعدما أعلن مؤخرا عن تورط السعودية والإمارات في تمويل الإرهاب في بريطانيا وأميركا.. رغم المحاولات الحكومية للتستر عليهما حتى لا يتم إحراجهما عالميا.
وسواء وقعت دول الحصار أم تهربت من الاتفاقية، فإن الجميع بات على ثقة بأن الاتهامات الموجهة لقطر هي محض افتراءات ومزاعم لا أساس لها من الصحة، والهدف منها التدخل في الشؤون الداخلية وتقويض السياسة الخارجية والسيطرة على القرار القطري.
وما أن وقعت الدوحة على مذكرة التفاهم الأميركية حتى سارعت دول الحصار إلى إصدار بيان تثمن فيه الجهود الأميركية وتتجاهل المساعي الكويتية الصادقة ضمن ممارساتهم المكشوفة للتأثير على جهود أمير الإنسانية وحكيم الخليج الشيخ صباح الأحمد التي يبذلها لرأب الصدع في البيت الخليجي، كما أن بيانهم لم يتضمن جملة مفيدة، فهم بين الإشادة بهذه الخطوة وبين العودة للأوهام.. وبين التراجع للخلف.. أو الهروب للأمام.
الدوحة ماضية في خطها الذي رسمته لنفسها وتعمل في وضح النهار بما يخدم مصالحها واستقرار منطقتها وليس لديها ما تخفيه أو تخاف منه، ترحب بالمواجهة والجلوس على طاولة الحوار، وترفض الإملاءات والادعاءات التي يستخدمها المحور الآخر، والذي يبدو لا يجيد سوى لغة الحصار، والتزييف والتحريف والسب والقذف والطعن في الأعراض والأنساب وقطع الأرحام.. وبالأمس أضافوا لهم خصلة جديدة تضاف لحملة الفجور.. وهي «إفشاء الأسرار»!
فما قاموا به من كشف لوثائق اتفاق الرياض وهي المختومة بـ«سري للغاية»، تعد فضيحة بجلاجل لم يسبق لها مثيل، وتدق المسمار الأخير في مصداقية منظمة مجلس التعاون الخليجي، إذ لن يكون هناك ثقة دولية في الدول التي سربت الوثائق، لأنها سقطت أخلاقيا مهما كانت المبررات، فجميع المنظمات والهيئات والمؤسسات تحترم مواثيقها وترفض استغلالها في أي جانب وتحت أي ظرف.
نقول هذا الكلام من ناحية المبدأ، مع العلم التام أن كشف الوثائق هو لمصلحة الموقف القطري، فالعالم قرأ بنود الاتفاقية ويعلم بالشواهد والحوادث الموثقة من اخترق الاتفاق ومن التزم به، والمتابع لمجريات الأمور يعلم أن قطر نفذت جميع البنود بحذافيرها، فيما قامت دول أخرى بانتهاكات واضحة وفاضحة.. ويبدو أنهم نسوا أن النقاط التي تضمنتها اتفاقية الرياض هي موجهة للجميع وليست لقطر وحدها، وفي هذه المناسبة لا بد أن نوجه الشكر لـ «دليم» وشلته، على نشر الوثائق، وكذلك نرسل باقة ورد إلى العبقري صاحب الفكرة، لأنهم يقدمون خدمات جليلة ومجانية للموقف القطري دون أن نتعب فيها، يحاولون التذاكي، لكن لكل داء دواء يستطاب به إلا الحماقة أعيت من يداويها.
قلناها ونكررها: ما عندنا شيء «نخشّه» أو نخشاه، وجاهزين لكل السيناريوهات.
من أبرز التناقضات في اتفاق الرياض ومخالفتهم له «جهاراً نهاراً» المطالبة بعدم التعاون مع الاخوان المسلمين في الوقت الذي تدعم فيه السعودية حزب الإصلاح في اليمن والاخوان في المعارضة السورية، ويتشاركون في البحرين مع الحكومة والبرلمان، ولهم حضور واضح في الكويت، بعكس قطر التي لا تدعمهم سياسيا ولا ماليا، ومع ذلك يتهمونها ويتجاهلون الحقائق والوقائع على الأرض.. ويغضون الطرف عن ممارساتهم وكأن الاتفاق موجّه لدولة وليس للكل!
وذكر الاتفاق عدم إيواء العناصر التي تقوم بأعمال مناهضة لأي من دول المجلس وعدم تمكينهم، ومع ذلك فإن أبوظبي هي الحضن الدافئ لمجموعة من الهاربين والمنشقين والمتهمين باغتيالات وانقلابات.. ونذكر منهم السفير أحمد علي عبدالله صالح ابن عدو السعودية الأول في اليمن والذي يخطط وينفذ من أبوظبي ويسمي تحالف الشرعية العدوان السعودي!
وكذلك يتواجد محمد إسماعيل المتهم باغتيال الملك عبدالله - رحمه الله - ويحظى بضيافة (5) نجوم، ومعه مجموعة من أسر الطغاة والمطلوبين لدولهم ومنهم عائلة الأسد وسيف الإسلام القذافي، وكل هؤلاء تحت رعاية وتوجيه مدبّر المؤامرات الأول في الشرق الأوسط.. محمد دحلان!
ولو سخّروا جهودهم في البحث عن أدلة أو قرائن تثبت ادعاءاتهم لاحترمهم المجتمع الدولي، لكن مواصلة التلصص و«التيسّس» والتسريب هي حجة الضعيف وصدمة «التائه»!
وأهم ما في التسريب هو أن العالم عرف من يقوم بهذه المهمة كأحد أسلحته في المواجهة، وبالتأكيد سيكون هناك ربط ومقارنة ومقاربة، وسيتضح دون أي جهود من أي طرف من قام بتسريب البنود الـ «13».. إرادة الله تكشف مكرهم وكيدهم.
الهدف منها في هذا التوقيت هو التأثير على الوساطة الكويتية والزيارة الأميركية بعدما علموا أن الأمور باتت تتكشف أكثر فأكثر ولم يعد لديهم المزيد من الحيل والطرق الملتوية.. وبدأت تضيق عدتهم وتنشف مواردهم، وردد يا دليم باللحن الأليم: «مقيمين وعلى ماء.. وبدينا نظما»!
في المقابل قطر تحترم عهودها ومواثيقها وترفض الكشف عنها، رغم أنها كانت ستعري الكثيرين، لكن أخلاقنا وتربيتنا وقبل كل ذلك ديننا يمنعنا من مثل هذه الأفعال المشينة.
كما أن توجيهات صاحب السمو أمير البلاد المفدى، واضحة بعدم المساس بالعقود واحترام العهود، وفي هذه المناسبة، يقول رئيس شركة كبرى، إن قطر كسبت المعركة الأخلاقية وحققت نصراً كبيراً ستجني ثماره لـ «150» سنة مقبلة، فالثقة هي أساس الاقتصاد، وإقحام الخلافات السياسية فيه مثلما فعلت بعض الدول يؤثر على تعاملاتها مع الشركات الكبرى، وتفقد مصداقيتها.
وكما يقول المثل: «رب ضارة نافعة»، فيما يكتب عن قطر في الإعلام الغربي لم يكتب عنها في تاريخها، ويكفي أن نذكر أن «نيويورك تايمز» بمتابعيها الـ «100» مليون و«الغارديان» «50» مليوناً، تنشر العديد من الآراء والتقارير الإيجابية عن قطر بإرادتها المهنية، كما أن المفارقة الأبرز هي أن صحيفة «واشنطن تايمز» التي تمثل اليمين في أميركا وتتبع للرئيس دونالد ترامب، تدافع عن قناة «الجزيرة» وتستنكر المطالبة بإغلاقها.. وهذه المواقف المحايدة تعطي رسائل اطمئنان لسلامة موقفنا وتؤكد على موضوعيتنا.
أخيرا.. إذا أرادوا الحل فالطريق واضح أمامهم وهو الجلوس على الطاولة لمناقشة ما يستحق من النقاط التي لا تمس السيادة بعيدا عن التصرفات الصبيانية التي لا تليق إلا بالمراهقين والمفحطين، ولن تغير من الواقع شيئا!
والإصرار على مطالب استفزازية سبق أن قالت لها قطر بالعامية «معصي»، ولم ترضخ للضغوط وأكدت أنها «عصية» على الحصار والعقوبات، يطيل أمد الأزمة والهدف عرقلة الوساطة الكويتية وتنفيذ أجندتهم وأطماعهم بالشرق الأوسط على حساب قضايا الشعوب العربية والإسلامية.. متكئين على إعلام فنتازي وانتهازي ينسج قصصاً من الخيال وروايات تعجز السينما المصرية أن تجاريها لما فيها من كوميديا وتهريج.. وآخرها ما يقال بأن قطر تتعامل مع الجن!!
والحقيقة أن الذي يتعامل مع البقر هو الأقرب لـ «الجنون» باعتبار أن هذا المرض قد أصابها وانتشر في العالم، ووارد أن تكون العدوى انتقلت اليهم، فأصبح حديثهم «دجل» وأخبارهم «تنجيم»، وحواراتهم «زعيق».. وتغريداتهم «نهيق».

بقلم : محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
copy short url   نسخ
12/07/2017
7852