+ A
A -

يروي الهنود الحُمر في حكاياتهم، أنه وقبل آلاف السنين، كان الدُّبُّ، والكلب، والثعلب يتنافسون، أيُّهم المُسنُّ الأكبر سِنّاً بينهم؟

وحددوا جائزة لهذه المسابقة، أن أكثرهم هرماً سيتلقى جائزة مميزة، وهي أول طعامٍ يجدونه.

وعلى سفح الجبل المُطل على المكان الذي كان الثلاثة يتشارعون فيه، مرَّتْ عربة متهالكة، وبتأثير الأرض الصخرية غير الممهدة، وعلى ارتجاج العربة، سقط منها كيسٌ مملوءٌ بالخبز!

من الذي يستحقُّ الجائزة؟ وأيهم هو العجوز الأكثر شيخوخة؟

قال الدُّبُ: أنا رأيتُ أول طلوع فجر في الدنيا!

وقال الكلب: أنا الوحيد الباقي من الذين ركبوا السفينة في الطوفان الكبير!

ولكن الثعلب لم يقل شيئاً، كان فمه ممتلئاً بالخبز الذي سقط من العربة!

هذه القصة تعلمنا ألا نشترك بمسابقة يمكننا الحصول على جائزتها دون مشاركة! والأمر لا يتعلق بالمسابقات بحرفيتها، وإنما بكل الأشياء التي نستطيع أن نحصد نتائجها دون أن يكون الدَّرب طويلاً، ومملاً، ومرسوماً من قبل ليمشي عليه الناس.

على سبيل المثال، أتفهم جيداً أنَّ بعض الأشياء يجب أن تتم بالشكل المتعارف عليه، مهما كان المرءُ على دراية في الطبِّ، لن توظفه مستشفى دون أن يحمل شهادة، والمقاول مهما كانت خبرته العملية تفوق خبرة المهندس النظرية، إلا أن هناك وظائف يستطيع المهندس الحصول عليها بشهادته ولا يستطيع المقاول الحصول عليها بخبرته!

ولكن ما أعنيه أنه يمكن اختصار الطَّريق!

أثناء عملي في التدريس، جاءني وليُّ أمرِ طالبٍ يسألني أن أتوسط له عند الإدارة أن ترفع علامات ابنه كي يصل إلى الصَّف الذي يتيح له دخول مدرسة مهنية ليدرس الميكانيك!

ببساطة قلتُ للأب: أمام ابنك والصَّف المنشود ثلاث سنوات، لو ذهبتَ بابنك إلى ورشة تثق بصاحبها أن يعلمه المهنة، أليس أفضل من إضاعة هذا الوقت بالطرق الملتوية؟!

فقال لي: والشهادة يا أستاذ؟

قلتُ له: هل طلبتَ يوماً من ميكانيكي يصلح سيارتك أن يعطيك شهادته، وهل اطلعتَ على شهادة النجار والحداد والكهربائي الذين عملوا في بناء منزلك؟

لقيني هذا الأب بعد سنتين من الحادثة، وشكرني لأن ابنه قد قطع شوطاً في تعلم المهنة، ووفر الوقت!

وربما أكون جريئاً إذ أقول إن الكثير من الدراسات العليا هي مجرد «بريستيج» أكاديمي لا تُفيد صاحبها في سوق العمل، ولا تضيف له شيئاً يُذكر على المستوى المعرفي.

وأرى أن يصرفَ الناس أوقاتهم في تعلم مهارات جديدة، واكتساب معارف تُناسب سوق العمل ومتطلباته المستجدة أفضل بكثير من هذا الملل الأكاديمي!

ولستُ أقول هذا عن تنظير، شخصياً لم تُضِفْ لي الدكتوراة شيئاً يُذكر، ولم أخرج منها بغير حرف الدال الذي لا أضعه قبل اسمي!

بالطبع لستُ أنهى عن دراسة الماجستير والدكتوراة، ولو أراد أحد من أولادي أن يدرس فلن أقف في وجهه، ولكني سأنصحه كما أنصحكم، أن يتعلم مهارات، ويكتسب خبرات لها علاقة بدراسته الجامعية، لأن هذا أجدى وأنفع!

copy short url   نسخ
28/05/2023
265