+ A
A -
حازم عياد كاتب عربي

لم تكن إدانة المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر يوم الأحد الموافق 21 أيار/ مايو الحالي لتصريحات وإجراءات حكومة بنيامين نتانياهو ووزرائه الأولى من نوعها هذا العام.

فالإدانة الموجهة لاقتحام وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير لباحات المسجد الأقصى وسماح وزير ما سمي الدفاع للمستوطنين للانتقال إلى بؤرة حومش الاستيطانية المغلقة منذ العام 2005 خلافا لاتفاق (فك الارتباط) الذي تم برعاية أميركية لوقف الاستيطان شمال الضفة الغربية؛ سبقها إدانة أميركية مماثلة لعضو بارز في حكومة بنيامين نتانياهو؛ وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في الـ21 من آذار/ مارس الماضي إثر إدلائه بتصريحات استفزازية وعنصرية في كلمة ألقاها خلال احتفال في العاصمة باريس أنكر فيها وجود الشعب الفلسطيني.

الإدانات الأميركية لوزراء الحكومة الفاشية التي يترأسها زعيم الليكود بنيامين نتانياهو لم تأت من فراغ؛ فالعلاقة كانت ولا زالت متوترة بين نتانياهو والرئيس الأميركي جو بايدن الذي لم يكن متحمسا للقاء بنيامين نتانياهو حتى اللحظة رغم فوزه في الانتخابات وتمكنه من تشكيل حكومته الفاشية؛ فالخصومة وانعدام الثقة مظهر قديم للعلاقة بين الديمقراطيين وعلى رأسهم جو بايدن وبنيامين نتيناهو.

العلاقة بين إدارة الرئيس الأميركي بايدن وحكومة نتانياهو المشكلة نهاية العام الماضي الموافق 29 من كانون أول/ ديسمبر 2022 طالما كانت باردة ويشوبها التوتر والشكوك وانعدام الثقة إذ لم تخف إدارة بايدن ميولها لفوز معسكر القومي العلماني المتطرف بقيادة زعيم حزب (يعيش عتيد ـ هناك مستقبل) يائير لبيد وزعيم حزب (المعسكر الرسمي) بيني غانتس؛ في مقابل تفضيل نيتناهو وقوى اليمين الديني الفاشي فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في العام 2020 ؛ وهو توجه لازال عميقا لدى نتانياهو وأركان حكومته الفاشية التي ترى في مرشحي الحزب الجمهوري دونالد ترامب ومنافسه في الانتخابات التمهيدية حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتس الخيار والبديل الأمثل للرئيس الحالي جو بايدن.

الخصومة السياسية بين إدارة الرئيس بايدن وأركان الحكومة الفاشية التي يقودها بنيامين نتانياهو لا تعد السبب الوحيد للموقف الأميركي الرافض لإجراءات وتصريحات واستفزازات حكومة نتيناهو ووزرائه؛ فالإدارة الأميركية ترى في السياسة المتبعة من قبل اليمين الديني الفاشي المتعلقة بإصلاح القضاء لتقيد عمل المحكمة العليا في الكيان الإسرائيلي وتعزيز سلطة ونفوذ وتأثير السلطة التشريعية والأحزاب من خلفها على حساب سلطة القضاء يسمح بإحداث انقلابه في هوية الكيان ودفعه نحو مسار ديني (حريدي) مبتعدا عن العلمانية والمسار الليبرالي الذي يتبناه الحزب الديمقراطي في أميركا وحلفائهم التقدميين والأوربيين.

موقف إدارة بايدن من قانون تقيد القضاء أو ما يسمى الإصلاحات القضائية وتمكين التيار الديني (الحريدي) المتشدد في مؤسسات الكيان الأمنية والقضائية يخالف توجهات التيار الليبرالي الأميركي والديمقراطي الذي يميل لصالح لبيد وغانتس ومعسكرهما وهي معركة لا زالت مفتوحة.

الجهود الأميركية لفرض الهدوء في الضفة الغربية واجهت صعوبات جمة بسبب التوجهات المتطرفة والأجندة الفاشية لحكومة نتيناهو؛ إذ لا تبدي مرونة كافية للتعامل مع المتطلبات الأميركية والمبادرات التي تقترحها؛ بل تهدد بإعاقتها عبر استفزازات متواصلة؛ كالتي أطلقها سموترتيش في باريس وبن غفير ونتنياهو في القدس؛ ما هدد سياسة بايدن بالفشل والانهيار واستدعاه لتوجيه رسائل للكيان وقادته عبر إدانة سياساتها المعلنة باستئاف الاستيطان شمال الضفة واقتحام المسجد الأقصى؛ إدانات لا تملك أنيابا لغياب الأدوات والعقوبات التي تمثل خطا أحمر لن تتجاوزه إدارة بايدن كما لن تتجاوزه القوى الأوروبية؛ مكتفية برفض استقبال مسؤولي حكومة نتيناهو كوزير المالية سموتريتش وزير الأمن القومي بن غفير وهي إجراءات لا ترتقي إلى مستوى العقوبات الرادعة.

هواجس أميركا من العجز والفشل السياسي في إدارة ملفات الإقليم وتمرير رؤيتها بخفض التصعيد بات معضلة أميركية-إسرائيلية قاتلة للنفوذ الأميركي في المنطقة عبر عنه المتحدث باسم الخارجية الأميركي ماثيو ميلر بالقول: نشعر باضطراب بالغ إزاء الأمر الذي أصدرته الحكومة الإسرائيلية للسماح لمواطنيها بإنشاء تواجد دائم في بؤرة حومش الاستيطانية في شمال الضفة الغربية، مضيفا القول: نشعر أيضا بالقلق إزاء الزيارة الاستفزازية اليوم ـ الاحد ـ إلى الحرم الشريف في القدس والخطاب التحريضي الذي رافقها.

لغة دبلوماسية أميركية لم تقدم الكثير سوى التأكيد على تطور العلاقة الأميركية ـ الإسرائيلية السامة إلى معضلة قاتلة لنفوذها بمحركات محلية داخلية (أمريكيا وإسرائيليا) وأخرى اقليمية ودولية (أوكرانيا وتايوان)؛ فعجز واشنطن عن مجاراة الاجندة الفاشية المزدحمة للكيان الاسرائيلي زمانيا ومكانيا؛ سواء عبر اجتماعات العقبة وشرم الشيخ وغياب الأدوات الفاعلة والمؤثرة في إدارة العلاقة مع الكيان المحتل وعلى رأسها العقوبات؛ وفقدانها القدرة على تحقيق الهدوء في المنطقة؛ فتح الباب واسعا للتحرر من النفوذ الأميركي بمناورات سياسية ودبلوماسية للقوى الإقليمية والمحلية تنسجم مع طبيعة المستجدات الدولية والإقليمية بل والداخلية الأميركية والإسرائيلية.{عربي 21

copy short url   نسخ
26/05/2023
20