+ A
A -
وسط حالة الانقسام والتردي التي تمر بها المنطقة العربية، سربت الصحافة الإسرائيلية قنبلة سياسية من العيار الثقيل من شأنها إسدال الستار على القضية الفلسطينية نهائياً وبمباركة عربية هذه المرة. ولأن المنطقة أضحت مشغولة بمستجدات لا تتوقف ضمن معاركها الثنائية والمتعددة الأطراف.
فإن ما تردد عن وجود مبادرة إسرائيلية للسلام مر مرور الكرام دون أن يحرك ساكنا من الجامعة العربية برغم الألغام التي تحملها من البداية إلى النهاية.
المبادرة التي كشفت عنها صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية جاءت بعض تفاصيلها على لسان عدد من أعضاء الحكومة بما يعني أنها تمثل رؤية إسرائيلية رسمية وليست مجرد تكهنات أو تحليلات صحفية. وكان من المقرر عرضها على الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب في الزيارة التي قام بها إلى الشرق الأوسط. ولكن جرى تأجيل إعلانها لحين نضوج أكبر للظروف الراهنة يجرى تفعيله، بما لا يسمح للرئيس ترامب بمباشرة بعض الضغوط على إسرائيل لتعديل هذه الرؤية.
وقد جاءت المبادرة للبناء على ما صدر من ترامب عندما استقبل بنيامين نتانياهو رئيس وزراء إسرائيل. وقتها صدم ترامب العرب جميعا عندما قال إنه لا يحبذ حل الدولتين. ومع أن ترامب وفريقه لم يقدموا تصورا للبديل الذي يتحدث عنه ترامب، إلا أنه في الحقيقة أعطى لإسرائيل الضوء الأخضر لسحب يديها من حل الدولتين، وترك لها المجال أن تطرح ما تشاء من بدائل أخرى. وزاد على ذلك إشاراته ذات المعنى إلى أنه من الضروري أن يكون هناك حل شامل يشمل العرب والإسرائيليين وليس المسار الثنائي المعتاد أي المفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وفى هذا السياق جاءت الإشارة إلى ما أطلق عليه صفقة القرن.
الحل المطروح إسرائيليا هو استبعاد فكرة الدولة الفلسطينية من الأساس واستبدالها بما وصفته الصحيفة بالكيان المرتبط كونفيدراليا مع الأردن ومصر. والكيان تعبير يطلق على شكل سياسي لا تتحقق فيه أي شروط الدولة حيث لا يدل على أي نوع من السيادة ولا أنه يمثل شعبا ولا حدودا جغرافية محددة وثابتة له، فقط نوع من الحكم الإداري الذاتي. وبه تنفض إسرائيل يديها تماما من مسألة المفاوضات الثنائية مع الفلسطينيين وتجعل العرب هم المسؤولين عن تسوية النزاع كما يجنبها قبول أي حلول وسط. وتمضي الصحيفة قائلة إنه من الصحيح قدمت المبادرة العربية للسلام حلا واعترف بها العالم (الأرض مقابل السلام) ولكنها كانت بمثابة إملاءات على إسرائيل، وبالمبادرة الإسرائيلية المناوئة يكتب السطر الأخير لنهاية المبادرة العربية للسلام. وستضمن إسرائيل الاعتراف العربي الكامل بيهودية الدولة وعاصمتها القدس فتنحل عقدة شرعيتها. وأما اللاجئون فسيمنحون الجنسية في البلدان التي يقيمون فيها.
وفقا لكلام الصحيفة- تحارب إسرائيل بهذه المبادرة نفوذ إيران في المنطقة، وكذلك حزب الله، وتمنع قيام دولة للإسلاميين المتطرفين في المنطقة، وإن لم يتفهم ترامب كل ذلك ويقبله فإنه يكون في هذه الحالة يعمل على إضعاف إسرائيل وتقوية إيران والجماعات المتطرفة، فضلا عن أنه سيظهر بمظهر الزعيم الأميركي الفاشل!.
المستجدات من الانقسامات العربية– العربية المتتالية والصراعات الإقليمية، بل والدولية على مصير المنطقة العربية، وكذلك استمرار الانقسام الفلسطيني، كلها عوامل تدفع في اتجاه أن يصبح اللامعقول معقولا في هذا الزمان. ولكن برغم كل ذلك من أين جاء وهم الاعتقاد بأن الحل العربي المتعدد الأطراف له فرصة التفعيل، ليس فقط لأن هناك من سيعترض وبقوة على مخالف ما تعهد به العرب جمعاء في بيروت 2002، وإنما لأن الوضع العربي في مجمله ضعيف للغاية وربما كانت هذه هي الميزة الوحيدة للضعف العربي حيث عدم القدرة على تنفيذ الإملاءات!! ومن أين جاء وهم الاعتقاد بالازدهار، وأما المراهنة الإسرائيلية على التطبيع فستظل مخاطرة غير محسوبة العواقب أكثر من كونها فرصة لاحت في الأفق بسبب مستجدات أفرزها الانقسام العربي.

بقلم : د. عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
08/07/2017
3727