في الوقت الذي باتت فيه مساحة المناورات بشأن الاستحقاق الرئاسي تضيق إلى أبعد الحدود، وفي الوقت الذي تصل فيه رسائل من بعض الدول العربية إلى المسؤولين تحمل في مضامينها تأكيدات جازمة بأن عدوى الانفراجات التي تحصل في المنطقة ستصيب حتما لبنان، فإن الممسكين بالملف اللبناني من الفرنسيين أبلغوا من يفهم الأمر بأن الوساطة الفرنسية بشأن انتخاب رئيس للجمهورية لن تدوم طويلاً، وأن باريس ربما بصدد الإعلان عن موقف سلبي قبل منتصف يونيو المقبل، ما لم يكن هناك من خرق جوهري وبناء في جدار هذه الأزمة.
كل ذلك يحصل ولا يوجد آذان صاغية من القوى السياسية التي لم تتقدم بعد مضي أكثر من خمسة أشهر على الفراغ الرئاسي قيد أنملة باتجاه التوافق لإنجاز هذا الاستحقاق الذي يعترف القاصي والداني، بأنه المدخل الحقيقي لبلوغ هدف معالجة الانهيار الحاصل على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، لا بل إن هؤلاء ماضون في عملية التعطيل مستفيدين من تمترسهم وراء مواقفهم من موازين القوى الموجودة تحت قبة البرلمان والتي إلى الآن ما زالت تحول دون تمكن أي فريق بذاته الاستئثار في عملية انتخاب رئيس.
ويبدو أن التموضعات السياسية القائمة حالياً باتت تصيب المتعاطين بالملف اللبناني إقليمياً ودولياً حيث يصابون بالحيرة في أمرهم، ويستغربون كيف أن المسؤولين في لبنان يرون بلدهم بأم العين يغرق بأزمات لم يألفها منذ الاستقلال وفي عز الحرب الأهلية ولا يحركون ساكناً، لا بل إنهم مستمرون في معركة شد الحبال غير آبهين بالخسائر الفادحة التي ستطال الجميع في حال لم يسارعوا إلى وضع حد للفراغ القاتل.
وفي ظل هذا الجو الداخلي غير الصحي على مختلف الصعد، فهناك من يرى من المراقبين عن كثب لمسار الاتصالات الجارية، بأن قرار إنهاء الأزمة الرئاسية في لبنان اتخذ، وان المشاورات التي جرت على هامش القمة العربية، وتلك التي تجريها باريس بعيداً عن الأنظار قد تؤدي في وقت ليس ببعيد إلى فتح أبواب القصر الجمهوري أمام رئيس يأتي بتسوية بالتأكيد، بعد ان سدّت كل المنافذ الداخلية أمام حل يقبل به النواب بتلقاء انفسهم لانتخاب هذا الرئيس.
ويؤكد هؤلاء بأننا بتنا في سباق مع الوقت وأن مطلع الشهر المقبل سيعج بالاتصالات والمشاورات داخلياً وخارجياً بغية إزاحة ما تبقى من عقبات من طريق مَنْ سترسو عليه التسوية ليكون رئيساً للبنان.