+ A
A -

قبل خمسمئةِ سنةٍ قبل الميلاد تقريباً، كتبَ «لاو تزو» كتابه «التاو تي تشونغ»، ومما جاء فيه:

تعاملْ مع الصَّعبِ بينما لا يزال سهلاً، ومع الضخم بينما لا يزال صغيراً!

فالصعب ينشأ من السَّهل، والضخم يكون أول الأمر صغيراً!

ولو تلاحظ، فإنَّ الشجرة الضخمة جاءت من برعم صغير خرج من بطن بذرة! والسَّد الذي لا يستطيع النهر اختراقه بدأ بكتلةٍ من الطين!

وأزيدُ على قول «لاو تزو»: إن المشكلات التي لا تُحلُّ في وقتها تُشبه إلى حد بعيدٍ كرة الثلج التي تتدحرج من القمة إلى السفح، هي لا تبدأ بهذه الضخامة أول الأمر، ولكنها كلما تدحرجت أكثر ازداد حجمها، حتى تصبح قادرة على الإطاحة بكل ما يقف أمامها ويحاول إيقافها!

هذه مسألة من البداهة بمكان برأيي بحيث لا تحتاج إلى كثير كلام لإقناع الآخرين بها، وأغلب المشكلات - إن لم يكن كلها- في المجتمعات أو البيوت لم يعد بالإمكان العثور على حلٍّ لها، لأنها تشعَّبتْ مع الوقت، ونشأ عن المشكلة الأولى، تفرعات إضافية، وصار علينا الآن أن نقف حائرين لا نعلم من أين نبدأ في حلها!

خُذْ عندكَ مثلاً مشكلة البطالة، إنها تبدأ مشكلة اقتصادية بحتة، ثم مع مرور الزمن ترمي ظلالها أولاً على الأُسرة التي تُصبح مهددة بالتفكك تحت وطأة العجز المادي مقابل متطلبات الحياة! ومن النزاع بين الزوج الذي من المفترض أن يُحصِّل قوت الأسرة، وبين الزوجة التي تراه المشكلة، ينشأ شيءٌ من النفور، ثم لا يبقى هذا النفور بين الزوجين! ومن الطبيعي أن ينعكس على الأولاد أيضاً، وحين تقلُّ الرقابة المنزلية في عالم يحاول أن يسرقَ الأبناء من أبويهم، تنشأ مشكلات سلوكية وأخلاقية، وعلاج هذه المشكلات يصبح أكثر تعقيداً مما لو عملنا عل حل المشكلة الاقتصادية التي أدت إلى هذه النتيجة!

طبعاً لستُ أقول إن الفقر بؤرة فساد الأخلاق، ولا إن الغنى رحم الفضائل!

ولكن التفكير المُنصبّ على الرغيف، ولقمة الغد، يجعل المجالات الأخرى ثانوية، وهذه مسألة ظاهرة لا تحتاج إلى محاججة!

خُذ عندكَ أيضاً مشكلة الطلاق، الأمر لا يبدأ طلاقاً، ثمة مشكلات، ونفور، وخلاف في وجهات النظر، وتباين في مواقف، طُوِيَ كُلُّ هذا دون حلٍّ أولاً بأول، ومع الزمان يتحول الزوجان إلى خصمين يجمعهما سرير واحد! أسوأ ما في مشكلات البيوت أن يتمَّ تغليف الجروح دون تنظيفها! الجروح التي لا تُنظَّفُ تلتهبُ!

من الأشياء التي تُعجبني في زوجتي، والأشياء التي تُعجبني فيها كثيرة، هي أنها تقول لي دوماً، تريدُ شيئاً مني أخبرني عنه، يُزعجكَ شيءٌ مني أخبرني به!

ومن شدة إعجابي بهذا القانون، أطالبها هي به أيضاً معي!

وهذا لا يعني غياب المبادرة، ثمة أشياء لا تُطلب! وإنما المعنى أن لا تكون الرغبات، أو الانزعاجات، فخ منصوب نترقب اللحظة التي يتعثر الشريك فيه!

وككل زوجين تضعنا الحياة مقابل بعضنا في حالات نادرة، ولكننا نتصارح، ونتناقش، فإذا بنا نتعانق بدل أن نتلاكم!

نصيحتي للجميع، في البيوت، وفي الشركات، وفي الجمعيات، وفي الأحياء، وفي الأحزاب، لا تتركوا مشكلةً معلقة، ليس أمام المشكلة إلا سبيلان، إما أن تُحلْ وإما أن تتفاقم، لأن الشخص الذي بينك وبينه مشكلة قائمة لن تتعامل معه في أي مجال آخر بعيداً عنها، وكثيرة هي النيران التي بدأت بشرارة!

copy short url   نسخ
18/05/2023
365