+ A
A -
لا يخفي العلماء شعورهم بالدهشة والهول من الدقة الشديدة في توازن كل شيء في الطبيعة مما يدل على جهل وغباء الذين ينكرون وجود الله الخالق الذي تتصف صنعته بالكمال. العلماء الذين تفرغوا لدراسة الغابات والكائنات الحية التي تعيش فيها سجلوا صور التوازن الطبيعي في الحيوان والنبات والحشرات والطيور، ووجدوا أن تدخل الإنسان كثيرا ما يقلب أمور التوازن. فقد وجدو أن النبات تعيش عليه حشرات صغيرة تمتص رحيقها إلى أن تأكلها حشرات أكبر منها، وتبتلع الضفادع بعض هذه الحشرات الكبيرة، ويبتلع الضفدعة ثعبان أو حيه، وقد يصطاد الثعلب ثعبانا لكنه يقع فريسة نمر أو أسد، وهكذا في كل الكائنات نرى أن الحياة تعيش على حياة أخرى، ومما يزيد الدهشة أنه كلما زادت أعداد حشرة أو حيوان بحيث تهدد التوازن فإن الكائنات الأكبر تقضى على الكثير منها فيعود التوازن مرة أخرى.
يذهل العلماء أيضا ما رأوه من أن الكائنات الصغيرة تتكاثر بإعداد كبيرة جدا (مثل النمل والحشرات عموما) وهي التي تتعرض لمخاطر تهدد حياتها أكثر من غيرها، بينما الكائنات القوية (الأسد – الفيل- الإنسان..الخ) فإنها تتكاثر بأعداد قليلة، وكل ما يحدث في الكون وراءه سبب وحكمة، على سبيل المثال فإن إنتاج الحبوب كبير، وتكاثر الدجاج والأرانب والحمام كبير لأن ذلك ما يكفي لحاجة الإنسان.
ولاحظ العلماء أن الكائنات في هذا الوجود يعتمد بعضها على بعض في بقائه حيا، وتقوم الطفيليات بدور في القضاء على الإعداد التي تخل بالتوازن، لأنه لو حدث أن تكاثر الأسود أو الفيلة، أو تكاثر الإنسان وصار كل نوع بالملايين التي يصعب عدها فإن العالم سوف يتكدس بها ولا يكفي الطعام احتياجاتها، وهنا تظهر الميكروبات فيموت عدد من هذه الكائنات ويعود التوازن، وهذا ما جعل علماء الاجتماع والسياسة يقولون إن الحضارة أصبحت سلاحا ذو حديثن، فهى توفر للبشر الصحة والراحة والعمل والتسلية، ولكنها من ناحية أخرى تسرف في إنتاج أسلحة مدمرة، وبعد أن كانت الحروب بالخناجر والسيوف ظهر البارود والمدفع ثم الطائرات والغواصات وأخيرا القنابل الذرية والهيدروجينية والأسلحة الكيماوية، مما جعل أعدى أعداء الإنسان هو الإنسان نفسه.. وبعض المفسرين يرون أن ذلك تصديقا لقول الله تعالى «ولولا دفع الناس بعضهم بعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين»( البقرة – الآية251)، وما يحدث لبنى الإنسان يحدث بين كل المخلوقات الأخرى، فإذا تكدس الزرع في الأرض يهلك بعضه، ولو تكدست الثمرات في الأشجار تهلك الشجرة والثمرة، وهكذا لو تكدس الجراد والحشرات أو الطيور والحيوانات والبشر وضاقت بهم الأرض فكيف تكون الحياة؟ هنا تظهر الحكمة البالغة لخالق سبحانه الذي خلق كل شيء وخلق فيه القدرة على حفظ التوازن في كل نوع وفي الحياة عامة، ولعوامل الطبيعة دورها في تحقيق هذا التوازن ومنها الأعاصير والزلازل، والبراكين والأمراض، وبذلك تستمر الحياة متوازنة دون خلل يهدد استمرارها.
وكما يقول الدكتور عبد المحسن صالح العالم الراحل، فإن الأسد وهو أقوى مخلوقات الغابة يهجم على غيره ليأكله، وعلى جسمه حشرات مثل القراد والبراغيث تنهك فيه وتنقل إليه بعض الأمراض من حيث لا يدرى، وهذه الحشرات تهددها ديدان تعيش في داخلها، وهذه الديدان تقتلها كائنات دقيقة جدا ذات خلية واحدة تقتلها البكتريا، وأخيرا تأتى الفيروسات لتعيش على الميكروبات وعلى الحشرات والإنسان والنبات.
فالعالم يدلنا على صور مذهلة للتوازن في كل نواحي الحياة وفي جميع الكائنات، توازن دقيق اراده الله «صنع الله الذي أتقن كل شيء» ( النمل –الآية 88). وسبحانه القائل «إنا كل شيء خلقناه بقدر» ( القمر- الآية49).

بقلم : رجب البنا
copy short url   نسخ
24/06/2017
7556