+ A
A -

نعيش اليوم في زمن أصبح صعبا نوعاً ما، فعلاقة واحدة يمكن أن تحطم آمالك، وتقضي على بصيص الأمل في قلبك، وتجعلك تعتقد أن العالم ليس مكاناً يصلح للحب؛ لتستحيل أيامك تعاسة وإحباطاً. أما السبب في ذلك كله فيرجع إلى أنك علّقت آمالك وسعادتك على شيء أو شخص بعينه، فكانت النتيجة الحتمية هي الخذلان.

فأنت تقضي جزءاً كبيراً من يومك في التواصل مع الناس من حولك، مما يسفر عن نشوء علاقات الزمالة والصداقة والحب. ومن منا أساساً يستطيع العيش بمنأى عن البشرية جمعاء؟ لا أحد حقيقة؛ لأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه يميل إلى التواجد مع أقرانه، ويكره الوحدة بطبعه.

ولأن العلاقات الاجتماعية جزء من وجودنا، فهذا يشير إلى أننا نخضع لتأثير هذه العلاقات التي لا تحاكي تطلعاتنا في كثير من الأحيان، لأننا كبشر نميل إلى رسم صورة للأشياء التي نريد الحصول عليها بدلاً من تقبل الواقع وفهمه.

في الصداقة مثلاً تتوقع أن يكون صديقك إلى جانبك في السراء والضراء وكل حين، لتكتشف في نهاية المطاف أن له حياته الخاصة، ولا يستطيع حتى إذا أراد ذلك أن يلتصق بك كظلك، بل إن الأمر سيكون مرهقاً له ذهنياً ونفسياً وجسدياً لو كان بوسعه التواجد قربك طيلة الوقت.

نفس الشيء ينطبق على علاقات الحب، حيث نرسم صورة مثالية للحبيب، ثم نفاجأ بعد حين بأنها صورة وهمية تداعب مخيلتنا، ولا تقارب الحقيقة لا من بعيد ولا من قريب. ونكتشف مع مرور الأيام أن الأحبة ليسوا ملائكة، بل هم بشر مثلنا لهم نقاط قوة وضعف، تصرفات حسنة وأخرى سيئة.

وعندما تتكشّف الحقيقة التي تخالف ما رسمه الإنسان في مخيلته حول علاقة ما، يصاب الغالبية بصدمة مدمرة تفقدهم الإيمان بالصداقة أو الحب، وتفضي إلى عقد نفسية ومشكلات اجتماعية. إليك إذن 4 وصفات تقيك من الصدمات:

أولاً- فن التوقع: إن الإنسان الذي يتوقع الكثير من الأشياء أو الأشخاص المحيطين، سيبوء توقعه بالفشل عاجلاً أم آجلاً. إذ لا يمكن لشيء أو شخص أن يلبي توقعاتك 24 ساعة في اليوم وحتى آخر العمر، ولا يمكن لأحد أن يملاً قلبك سعادة إذا كنت تعيساً من الداخل. اسأل أي شخص خاض تجربة الحب وخرج منها بجرح عميق، هل صحيح أن الحب أساس السعادة؟!

تدرك جيداً أنك لست ملاكاً، فلماذا تطالب الآخرين بأن يكونوا ملائكة؟ لا تتوقع من أحد شيئاً، وإنما استقبل أي عطاء من الآخر على أنه هدية سماوية لا واجب مفروض. فلا أحد مدين لك بشيء مهما كانت صلة قرابته بك.

ثانياً- فك التعلق: من يعلق سعادته على شيء أو إنسان، فلن يذوق طعم السعادة يوماً. هذه حقيقة أثبتها تاريخ البشرية منذ آلاف السنين وحتى اليوم. انظر حولك، هل ترى الأزواج سعداء، والأحبة يحيون في جنة عدن؟!

عندما تتعلق بالأشياء والأشخاص فأنت توقع صكاً مع القدر تقرّ فيه أنك لا تستطيع استحضار السعادة إلا بوجود الشيء أو الشخص مصدر هذه السعادة. فإذا غاب عنك لأي سبب كان، كون الأشياء والكائنات الحية إلى زوال في الحياة، فإن سعادتك المتوهمة ستنقلب إلى تعاسة. إذن لا تتعلق، واعلم أن منبع السعادة هو أنت. كلما كان قلبك عامراً بالفرحة، أسعدت نفسك ومَن حولك.

ثالثاً- فن اللامبالاة: حقيقة هذا العالم رغم كل ما فيه من مباهج هي الزوال، فلماذا تعطي الأشياء أكثر من قدرها؟ لماذا تتشبث بما هو زائل يوماً؟ بل ولماذا تتشبث إلى درجة مستميتة بأي شيء أو شخص طالما أن النهاية هي الفراق؟!

هذه ليست دعوة إلى اليأس، بل دعوة إلى رؤية الحقيقة. فكما أن هناك حياة، هناك موت. وما الموت سوى مرحلة من مراحل وجود الإنسان وكل ما حولنا. فتعلم فن اللامبالاة، وعدم تحميل الأشياء أكثر من طاقتها. ازرع الهدوء في داخلك، وعزز منابع السكينة في قلبك، وتقبل الظروف والأحداث التي لا يمكنك تغييرها، لأن التقبل خير من الرفض الذي يقود صاحبه إلى التهلكة. ‏

رابعاً- فن الانصراف: بصرف النظر عن المشاعر التي تحملها تجاه شخص ما، عليك أن تتعلم متى ترحل. الحياة ليست جنة، ولن تكون مهما ضربت رأسك بالحائط. الصديق يمكن أن يخذلك، والحبيب يمكن أن يخونك مهما بدا مخلصاً.

ولهذا عليك الاستعداد للمستقبل. عليك أن تكون مستعداً للمفاجآت، وتضع كرامتك قبل كل شيء. من خذلك أو خانك غادره دون رجعة، ولا تلتفت إلى الوراء.

كما وجدت الصداقة مرة، والحب مرة، سوف تجدهما مرات أخرى، فالعالم مليء بالخيارات. وما كنت تظنه خيارك الوحيد في الماضي، ستكتشف يوماً أنه كان مجرد خيار واحد من بين عشرات الخيارات.

copy short url   نسخ
15/05/2023
90