يراهن الإسرائيليون على ثلاث أوراق أساسية، في كل عدوان: الانقسام الفلسطيني، والتشرذم العربي، وصمت المجتمع الدولي.العدوان الحالي على غزة، وكل جريمة أخرى، ما كانت لتتم لولا اجتماع هذه العوامل معا، وبغض النظر عن الطريقة التي سينتهي بها العدوان الحالي على غزة، سواء عبر اتفاق معلن، أو تهدئة دون اتفاق، إلا أن هذه الاعتداءات لن تتوقف قبل تحقيق الهدف الأساسي، وهو إنهاء حركة الجهاد الإسلامي، أو إضعافها بصورة كبيرة، ثم الانتقال إلى حركة حماس للنيل منها، لذلك رأينا أن سلطة الاحتلال تحاول أن تصور المواجهة الحالية على أنها معركة بينها وبين «الجهاد الإسلامي»، من أجل تحييد بقية الأطراف الفلسطينية، ومنع تشكل أي موقف عربي أو دولي ضاغط.
قبل الحديث عن الموقف الإقليمي أو الدولي، لابد من التوقف أمام الحالة الفلسطينية، فهناك انقسام مستفحل يعود إلى نشوء سلطتين سياسيتين وتنفيذيتين في «2007» في الضفة الغربية وقطاع غزة، إحداهما تحت سيطرة حركة فتح في الضفة الغربية والأخرى تحت سيطرة حركة حماس في قطاع غزة، بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في مطلع عام «2006»، ونشوء أزمة سياسية ارتبطت بعراقيل للانتقال السلمي للسلطة، داخلية وخارجية، وخضوع أجهزة السلطة الفلسطينية للحزب الذي كان تقليديا ومنذ توقيع اتفاقية أوسلو يمسك زمام الحكم الذاتي الفلسطيني؛ حركة فتح.
منذ ذلك التاريخ تتعرض حركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامي، التي تأسست عام «1981» وذراعها العسكري «سرايا القدس»، لحرب استئصال حقيقية، بسبب موقفهما المناهض لاتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وإصرارهما على «الكفاح المسلح».
إذن.. هي معركة لن تنتهي، تسعى الحكومة الإسرائيلية من ورائها إلى تدمير هاتين الحركتين، مدعومة بـ«حيادية» حركة فتح التي تحولت إلى حزب حاكم، همه البقاء في السلطة مهما كان حجمها، عبر رهان خاسر على «حل سياسي» يعمل الإسرائيليون على وضعه في إطار وحيد: الحكم الذاتي.
لتحقيق هذه النهاية المشؤومة للتطلعات الفلسطينية لابد من إسكات الأصوات المعارضة في غزة، ولو افترضنا أن الاحتلال نجح في «تحجيم» حركة الجهاد الإسلامي، فإن الوقت لن يطول قبل التحول إلى «حماس» لاستئصالها أو تحجيمها هي الأخرى، وبالتالي القضاء على المقاومة الفلسطينية ككل.
إذن هي معركة هدفها الوجود الفلسطيني، وتصويرها كمواجهة أو حرب مع «الجهاد الإسلامي» ينطوي على سذاجة من جانب الذين يصدقون ذلك أو يروجون له تحت مزاعم مختلفة منها «الطبيعة الإسلامية» للحركة، بهدف عزلها إقليميا ودوليا عبر إلباسها عباءة «الإرهاب الإسلامي».
الذين «يتفرجون» على ما يحدث لن يطول بهم الوقت قبل أن يتحولوا هم أيضا إلى «ضحايا جدد» لآلة القتل الإسرائيلية، فالهدف إطفاء شعلة النضال، وتصفية القضية الفلسطينية.