+ A
A -

يمضي غالبية الناس أفضل ساعات يومهم في مشاهدة الأفلام والمسلسلات، والدردشة مع الأصدقاء عبر منصات التواصل الاجتماعية، وممارسة غير ذلك من أنشطة ممتعة لكنها لا تقدم ولا تؤخر على صعيد النجاح الشخصي أو المهني.

اليوم، نحن نعيش في عالم رقمي أصبحنا فيه أسرى لأجهزة الكمبيوتر والموبايلات، حيث بات الواحد فينا مدمناً على تفقد هاتفه للتحقق من وصول أي رسالة أو إشعار كل عدة دقائق، بدلاً من التركيز على العمل الذي بين يديه. كل إشعار من تويتر أو فيسبوك، وكل منشور ينشر على مواقع التواصل، يكلف البشرية ثروات هائلة من الإبداع والإنتاجية.

حين تركز على تنمية مهارة معينة أو إدارة مشروع ما، فإن ما يحصل داخل جسدك هو أن مساراً عصبياً يتشكل حول تلك المهارة، بحيث يتم عزل أي مسارات عصبية أخرى. وبالتالي في كل مرة تقوم فيها بتحسين مهارتك تلك سواء كانت الرسم أو الإلقاء الصوتي أو التأليف وما شاكل ذلك، بينما تضع هاتفك جانباً، وتبتعد عن الملهيات والمشتتات؛ فإن مساراً عصبياً جديداً يتشكل ليدعم ما تقوم به.

يمتاز كل العباقرة والناجحين في أمر مشترك ألا وهو قدرتهم على الابتعاد لفترات طويلة من الوقت عن الملهيات والمشتتات. هذا يعني أنهم قادرون على التركيز لساعات طويلة على ما بين أيديهم، كما كان آينشتاين يفعل عندما يبحث عن حل لمسألة فيزيائية.

حين تنأى بنفسك عن كل ما يشتت تركيزك ويصرفك عما هو مهم، لتركز على إدارة مشروعك أو تنفيذ المهام الموكلة لك أو تنمية مهارة معينة تحتاجها في سوق العمل، يصبح المسار العصبي الخاص بهذه العملية أقوى شيئاً فشيئاً. وكلما تدربت أكثر على المهارة الجديدة، فإنه يتم تحفيز الخلايا الدبقية وإطلاق أنسجة دهنية تسمى المايلين.

يعتقد العديد من العلماء والباحثين أن المايلين يؤدي إلى الأداء العالي للإنسان. بمعنى أن المايلين في نظر الخبراء هو سر العبقرية. يقول «وأين جريتزكي»، لاعب هوكي جليد محترف: «لم أتزلج إلى حيث يتواجد القرص، بل أتزلج إلى حيث يتجه». أما «ستيف جوبز» فيقول: «باستطاعتي الرؤية من جميع الزوايا».

إن ما يميز هؤلاء وأمثالهم من الناجحين والعباقرة ليس كونهم ولدوا وهم يحملون جينات استثنائية منذ الطفولة، بل قدرتهم على التخلص من المشتتات، والتي سمحت لهم بتطوير تركيز أحادي على الإتقان. كل ذلك جرى خلال فترة زمنية طويلة، جعلت أدمغتهم أشبه بصيدلية فيها كل شيء يساعد على إتقان العمل. وبالتالي فإن موهبة العبقري هي عقله القادر على التكيف عبر التدريب والتركيز. وهذه الميزة يمكن لأي شخص في العالم اكتسابها بالمران.

فإذا كنت تريد أن تحصل على نتائج لا يحصل عليها سوى %5 من الناس، فلا بد أن تكون مستعداً لتغيير طريقة تفكيرك، وتتعلم كيف تتصرف مثل تلك الفئة من الناس، من خلال تدريب نفسك على الابتعاد عن الملهيات والمشتتات اليومية، والبدء في التركيز على العمل الذي تريد أن تقوم به أياً يكن.

إن التشتيت الذي يعيشه معظم الناس كل يوم يجعل عقولهم ضمن موجات بيتا، بينما إذا لاحظت العباقرة فإنهم يعملون ضمن موجات ألفا. بمجرد أن ينتقل ذهنك إلى العمل من حالة بيتا إلى حالة ألفا، تبدأ صيدلية الإتقان بالتشكل، حيث يتقلص إفراز هرمون الكورتيزول (هرمون الخوف) الذي يمنعك من الإقدام والمجازفة وتجاوز قيودك الداخلية، ويزيد إفراز هرمون الدوبامين لتصبح أكثر شجاعة وإبداعاً. كل ذلك يحدث عندما تبتعد عن الإلهاء اليومي، وتركز على ما بين يديك من مهام وأشياء تقوم بها.

حين تصبح قادراً على التركيز على عملك تركيزاً تاماً بعيداً عن أي مشتتات، فإنك تدخل في حالة تسمى (التدفق)، وعندما تدخل هذه الحالة فإنك تبدأ في تحقيق إنجازات استثنائية، كما يحدث تماماً لدى الرياضيين العباقرة الذين تراهم يقومون بأشياء خارج قوانين الطبيعة أحياناً، والرسامين العظماء الذين يصنعون لوحات وتحفاً فنية خالدة.

فابدأ منذ اليوم في صب كل تركيزك بالكامل على أي مهمة تقوم بها مهما كانت صغيرة، أبعد كل المشتتات من هاتف محمول وخلافه من أمامك. جرب، واصبر لفترة وسترى النتائج العظيمة التي ستنعكس على حياتك الشخصية والعملية، حيث ستحصل بكل تأكيد على تلك النتائج التي لا يحصل عليها سوى 5 % من البشر.

copy short url   نسخ
08/05/2023
160