+ A
A -
بقلم- باسم توفيق
أحيانا نشعر أن هناك بعض الانحياز والتصنيفية في الفن من حيث النوع فنجد أن هناك اهتماما كبيرا بألوان معينة وفنانين بعينهم وهذا واضح وجلي من حيث نجد كما ذكرنا في غير موضع أن فنانين مثل دالي وبيكاسو افتأتوا على شهرة فنانين عظماء أكثر منهم مثل بانشيلا وألكسيتش كذلك فإن التصوير والبورتريه قد ظلم فن الكروتيسك أو ما يعرف بالكاريكاتير وهذا ما يجعلنا نؤكد أن كل عشرين معرضا تشكيليا للتصوير أو النحت تجد معرضا واحدا للكاريكاتير وربما لاتجد بما في ذلك المعارض الاستعادية التي تهتم بالفنانين الذين كان لهم باع في التصوير أو الحفر أو النحت بينما نجد أسماء كبيرة في الكاريكاتير أمثال دومية ورونالد سيرل لا نسمع عنهم شيئا حتى في المعاملات التجارية، نجد أن الأعمال ذات الطابع الكاريكاتيري والكروتيسك تقدر بأسعار زهيدة إذا ما قورنت بأعمال أخرى من غير هذه النوعية على اعتبار أن الخبراء يعتبرون أنها لون بسيط من الفن وهذا خطأ فادح وافتراء بيِّن على نوع فني يعتبر من أهم الأنواع شعبية واتصالا بالمتلقي لأنه يعبر عن مشاكله وآماله بشكل مباشر دون استخدام الرمز أو الشفرة لكنه على العكس يستخدم الدعابة والسخرية التي هي من أهم الأساليب التي تحبب للمتلقي البسيط نوعا ما في الفن.
الحقيقة أننا نجد أن هناك ظلما متعمدا للكاريكاتير من ناحية التقييم فمثلا نحن نسمع كل يوما حتى في وطننا العربي عن جماعات من الفنانين أو هيئات تتساءل عن مصير هذه القطعة الفنية لهذا الفنان أو ذاك مثل محمود سعيد والمثال مختار وغيرهما حتى أنهم أحيانا يوجهون الاتهام للهيئات المسؤولة بالتراخي والتسبب في ضياع هذا التراث الفني لكننا لا نسمع أي صوت بالمرة يتساءل عن أعمال صاروخان الأصلية وأين ذهبت أو البروفات الأصلية لكارتونات الإخوة فرنكل مثلا.. لا أحد يتساءل أين البورتريهات الأصلية التي رسمها مصطفى حسين أو طوغان؟، ولا نسمع صوتا ينادي بإقامة معرض استعادي ضخم لكل هذه الأسماء الكبيرة التي أثَّرت وأثرَت حياتنا الفكرية والثقافية وأدخلت على قلوبنا روح الفكاهة.
هذا بالتحديد ما قامت به الهيئات الفنية في تركيا الشهر الماضي وأقامت معرضا استعاديا لأحد أهم رسامي الكاريكاتير العالميين والذي ينتمي لأواخر الحقبة العثمانية وهو فنان لغز عاش في ظروف غاية في التفرد والغرابة حيث كان وزيرا مفوضا وصاحب مناصب رفيعة في الدولة العثمانية وهو يوناني الأصل حلبي الجذور لبناني التربية وتركي الجنسية، فنان الكاريكاتير الأشهر وصاحب اللمسة المميزة في عالم الكاريكاتير يوسف فرانكو كوسا باشا والذي يطلق علية فنانون عالميون أمثال اليوناني يارسيس والإنجليزي سيريل يطلقون عليه رجل الكاريكاتير السياسي لأنه وببساطة يعتبر الفنان الوحيد الذي انصب نقده الفني وشخصياته الكاريكاتيرية على طبقته لأنه كان من علية الطبقة البيروقراطية في أسطنبول ومع ذلك لم يتورع أن يستمد موضوعاته من شخصيات هذه الطبقة التي كانت والحق يقال تسيطر على الحياة السياسية في الأمبراطورية العثمانية العجوز في أخريات أيامها ومن ثم كانت أعمال يوسف كوسا باشا من أهم الوثائق النقدية التي دللت على هذا العصر بمساوئه السياسية.
ويعتبر الفنان الكبير يوسف فرانكو كوسا من أكثر فناني الكاريكاتير تأثيرا في فن الكاركاتير في أوروبا عامة وفي تركيا خاصة وهو ينتمي لمدرسة الفرنسي هنري دومية من عدة أوجه؛ الوجه الأول هو أن يوسف كوسا انتهج في موضوعاته نهج النقد السياسي والمجتمعي فكانت رسومه تميل للسخرية من الطبقة البيروقراطية أو طبقة موظفي الدواوين كما كان يطلق عليهم والذي كان هو نفسه ينتمي إليهم وكان لا يتورع عن تصويرهم في أعماله بشكل يثير السخرية على أعلى مستوى حتى أنه مرة أثار حنق الكثير عليه بسبب أنه صور اثنين من المسؤولين في صورة شبه حيوانية فكان أحدهما برأس إنسان وجسم قرد والآخر برأس إنسان وجسم ببغاء كرمز للهزل والخيلاء وقد تسبب ذلك في لفت نظره رسميا لكنه لم يأبه بل وقام بعمل عدة كاريكاتيرات تضم الصفوة في جلسات المرح مما اعتبره البعض اقتحاما لحياته الشخصية.
الوجه الثاني في التشابه بين دوميه ويوسف كوسا هو اشتراكهما في طرح فكرة الطغيان حيث يمثل كل منهما وثيقه فنية على طغيان الطبقة العليا في عصره وبالنسبة لكوسا كانت هذه الطبقة هي طبقة البيروقراطية التي كانت تتحكم في سياسة أستانبول من مقرها في بايأوغلو أحد أهم الأحياء السياسية في أستانبول والذي ضم طبقة من الساسة كانت هي محور سياسات الدولة العثمانية في هذة الفترة.
وبالنسببة لتقنيات يوسف فرانكو كوسا فهو مدرسة فريدة في الكاريكاتير لأنه جمع أعراقا كثيرة في شخصيته فهو يوناني سوري لبناني تركي ومن ثم كان يجيد لغات كثيرة ومطلعا على ثقافات كثيرة لكنه والحق يقال وجد في مدرسة النقد اليوناني بالكاريكاتير ضالته والمدرسة اليونانية في الكاريكاتير قديمة قدم الأمبراطورية العثمانية العتيدة. ومن ثم كان القراقوز اليوناني هو أبلغ أنواع التعبير عن هذا النقد السياسي للظلم العثماني فنشأت شخصيات القراقوز الشهيرة والتي تدور حول الباشا الظالم وهو الوالي العثماني ومساعده البيه الغارق في حب الراقصة والتي هي أحد أهم شخصيات القارقوز أيضا كذلك نجد تابع هؤلاء الأفندي– الأفنديس باليونانية– وهو موظف ظالم يعاقر الخمر وينفذ أوامر الوالي والبيه، فإذا عدنا لشخصيات يوسف فرانكو الكاريكاتيرية وجدناها صورة طبق الأصل من شخصيات القراقوز اليونانية مع بعض التهذيب بحيث أزال عن شخصيات القراقوز رعونتها لكنها احتفظ بنفس المضمون النقدي فهذا هو البيروقراطي العتيد صاحب المقام العالي صورة مطابقة للوالي وهذا هو الـ «بك» صورة مطابقة للموظف الكبير ذي النفوذ ونجد أيضا شخصية المغنية والراقصة وشخصية المطرب التي استوحاها من الحياة العامة في أستانبول التي كانت تميل للطرب وحب الموسيقى.
وتعتبر فكرة المبالغة في التنحيف أو التضخيم هي أحد أهم ركائز فن الكروتيسك أو الكاريكاتير ومن ثم كانت شخصيات يوسف فرانكو كوسا تسير على هذه الشاكلة من حيث إن بعضها يمل للنحافة وهو أحيانا دليل الضآلة أو الخبث مثلا لكن بعضها يميل للبدانة وهو أحيانا رمز للجشع والجبن والتراخي ومن ثم تصبح الشخصية التي تختلف فيها هذه المقاييس بالتبادل هي الشخصية الأكثر طبيعية، وأيضا استخدم يوسف كوسا دأبه دأب كل فناني الكروتيسك المبالغة في بعض الملامح مثل الأنف– وهي الفضلة لدى الجميع– والأذن ومعظم ملامح الوجه.
ويقول رياز بك كرياكو (كان يوسف فنانا مرهفا يجيد التعبير عن أفكاره من خلال الرسم الهزلي وعلى الرغم من أنه كان منشغلا كل الانشغال في عمله الوظيفي والسياسي فإنه كان يخصص وقتا كل يوم لهذا الفن الذي ملك عليه قلبه فنحن لا نتخيل رجلا برتبة وزير مثل يوسف كوسا يستطيع أن يجد وقت فراغ يمارس فيه هذا الفن الصعب بشكل متقن كما أتقنه هو ولكننا لم نكن نأخذه على محمل الجد حتى ذاع صيته في أرجاء الأمبراطورية.
هذه شهادة رياز بك كرياكو أحد أصدقاء يوسف كوسا وهو من أصول يونانية أيضا ولعلنا نقول إنه بدون اليونانيين والأرمن والبلغار وغيرهم لم يكن هناك ما يعرف بالإمبراطورية العثمانية لأنهم هم العضو الفعال سياسيا وفنيا واقتصاديا في هذه الإمبراطورية العتيدة بعد أن ترهلت وشاخت أن يوسف فرانكو كوسا كان هو الابن النجيب لتقنيات المدرسة اليونانية من ناحية المقاييس والأخيلة لكنه كان يدين للفنانين الأرمن بالكثير والكثير هؤلاء الذين أدخلوا فنون عدة للأمبراطورية العثمانية بل وكانوا رواد فن الكاريكاتير على ما يبدو من أسماء كثيرة مغمورة معظمهم كانوا على اتصال بالحركة الفنية العالمية بباريس ومن ثم كان يوسف كوسا أحد تلاميذهم بل وحتى قد أثر هو في الأجيال التالية من الأرمن بشكل واضح وجلي مثل المصري الأرمني صاروخان وزميله أسانتي وحيث اشتهر صاروخان بأنه أبو الكاريكاتير الصحفي المصري بينما اختفى الثاني بعد انجذابه أكثر لفن البورتريه الأكثر واقعية.
ينقسم المعرض الاستعادي المقام لأعمال الفنان الكبير يوسف فرانكو كوسا باشا والمقام في قاعة انيميتد في أستانبول ينقسم لعدة أقسام القسم الأول مخصص لسيرته الذاتية وصور له ولأسرته والقسم الثاني مخصص لشخصياته الكاريكاتيرة الشهيرة والمسماة– السادة البيروقراط– والقسم الثالث مخصص لمنطقة بايأوغلى نفسها والتي كانت تضم هؤلاء الشخصيات الكاريكاتيرية والتي كانت تمثل محور الطبقة السياسية وأصحاب القرار في الأمبراطورية العثماني في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وأما القسمان الآخران فيعرضان للحركة الفنية عامة في هذه الفترة ويستمر المعرض حتى شهر يونيه 2017.
ولد يوسف فرانكو كوسا باشا عام 1855 لأب وأم يونانيين ولد أباه في أسطنبول وكان جده نصري كوسا (كوساس) يونانيا يعيش في حلب في فترة هروب اليونانيين لحلب من عسف العثمانيين ولقد تأثر والده كثيرا بالثقافة العربية حتى أنهم كانوا يتحدثون العربية بلهجة سورية في المنزل وكان والده موظفا رفيعا في وزارة الخارجية التركية حتى وصل لرتبة مدير مكتب المراسم أما يوسف كوسا فولد في لبنان وعاش صباه في جبل لبنان ومن ثم كان تأثير الثقافة العربية عليه كبيرا حتى أنه كان يقول– الباشا الذي أرسمه هو ذلك الباشا العربي الذي يعتقد بأي حال من الأحوال أنه ذو جذور عثمانية وهذا هو مكمن السخرية لأن العثمانيين نفسهم بلا جذور- هذه الأقاويل كما نرى كان من شأنها أن تحد من تواجد يوسف كوسا في الوظائف العليا لكن العكس هو ما حدث حيث أصبح من من كبار موظفي الخارجية وكان وزيرا مفوضا في لبنان ثم أصبح من كبار ساسة بايأوغلو هذه الدائرة الشهيرة.
هو يوسف كوسا الرسم واتجه للكاريكاتير حتى أصبح من أهم رسامي الكاريكاتير في عصره وأثر كثيرا في الصحافة التركية الحرة فيما بعد ومات عام 1933.
أحيانا نشعر أن هناك بعض الانحياز والتصنيفية في الفن من حيث النوع فنجد أن هناك اهتماما كبيرا بألوان معينة وفنانين بعينهم وهذا واضح وجلي من حيث نجد كما ذكرنا في غير موضع أن فنانين مثل دالي وبيكاسو افتأتوا على شهرة فنانين عظماء أكثر منهم مثل بانشيلا وألكسيتش كذلك فإن التصوير والبورتريه قد ظلم فن الكروتيسك أو ما يعرف بالكاريكاتير وهذا ما يجعلنا نؤكد أن كل عشرين معرضا تشكيليا للتصوير أو النحت تجد معرضا واحدا للكاريكاتير وربما لاتجد بما في ذلك المعارض الاستعادية التي تهتم بالفنانين الذين كان لهم باع في التصوير أو الحفر أو النحت بينما نجد أسماء كبيرة في الكاريكاتير أمثال دومية ورونالد سيرل لا نسمع عنهم شيئا حتى في المعاملات التجارية، نجد أن الأعمال ذات الطابع الكاريكاتيري والكروتيسك تقدر بأسعار زهيدة إذا ما قورنت بأعمال أخرى من غير هذه النوعية على اعتبار أن الخبراء يعتبرون أنها لون بسيط من الفن وهذا خطأ فادح وافتراء بيِّن على نوع فني يعتبر من أهم الأنواع شعبية واتصالا بالمتلقي لأنه يعبر عن مشاكله وآماله بشكل مباشر دون استخدام الرمز أو الشفرة لكنه على العكس يستخدم الدعابة والسخرية التي هي من أهم الأساليب التي تحبب للمتلقي البسيط نوعا ما في الفن.
الحقيقة أننا نجد أن هناك ظلما متعمدا للكاريكاتير من ناحية التقييم فمثلا نحن نسمع كل يوما حتى في وطننا العربي عن جماعات من الفنانين أو هيئات تتساءل عن مصير هذه القطعة الفنية لهذا الفنان أو ذاك مثل محمود سعيد والمثال مختار وغيرهما حتى أنهم أحيانا يوجهون الاتهام للهيئات المسؤولة بالتراخي والتسبب في ضياع هذا التراث الفني لكننا لا نسمع أي صوت بالمرة يتساءل عن أعمال صاروخان الأصلية وأين ذهبت أو البروفات الأصلية لكارتونات الإخوة فرنكل مثلا.. لا أحد يتساءل أين البورتريهات الأصلية التي رسمها مصطفى حسين أو طوغان؟، ولا نسمع صوتا ينادي بإقامة معرض استعادي ضخم لكل هذه الأسماء الكبيرة التي أثَّرت وأثرَت حياتنا الفكرية والثقافية وأدخلت على قلوبنا روح الفكاهة.
هذا بالتحديد ما قامت به الهيئات الفنية في تركيا الشهر الماضي وأقامت معرضا استعاديا لأحد أهم رسامي الكاريكاتير العالميين والذي ينتمي لأواخر الحقبة العثمانية وهو فنان لغز عاش في ظروف غاية في التفرد والغرابة حيث كان وزيرا مفوضا وصاحب مناصب رفيعة في الدولة العثمانية وهو يوناني الأصل حلبي الجذور لبناني التربية وتركي الجنسية، فنان الكاريكاتير الأشهر وصاحب اللمسة المميزة في عالم الكاريكاتير يوسف فرانكو كوسا باشا والذي يطلق علية فنانون عالميون أمثال اليوناني يارسيس والإنجليزي سيريل يطلقون عليه رجل الكاريكاتير السياسي لأنه وببساطة يعتبر الفنان الوحيد الذي انصب نقده الفني وشخصياته الكاريكاتيرية على طبقته لأنه كان من علية الطبقة البيروقراطية في أسطنبول ومع ذلك لم يتورع أن يستمد موضوعاته من شخصيات هذه الطبقة التي كانت والحق يقال تسيطر على الحياة السياسية في الأمبراطورية العثمانية العجوز في أخريات أيامها ومن ثم كانت أعمال يوسف كوسا باشا من أهم الوثائق النقدية التي دللت على هذا العصر بمساوئه السياسية.
ويعتبر الفنان الكبير يوسف فرانكو كوسا من أكثر فناني الكاريكاتير تأثيرا في فن الكاركاتير في أوروبا عامة وفي تركيا خاصة وهو ينتمي لمدرسة الفرنسي هنري دومية من عدة أوجه؛ الوجه الأول هو أن يوسف كوسا انتهج في موضوعاته نهج النقد السياسي والمجتمعي فكانت رسومه تميل للسخرية من الطبقة البيروقراطية أو طبقة موظفي الدواوين كما كان يطلق عليهم والذي كان هو نفسه ينتمي إليهم وكان لا يتورع عن تصويرهم في أعماله بشكل يثير السخرية على أعلى مستوى حتى أنه مرة أثار حنق الكثير عليه بسبب أنه صور اثنين من المسؤولين في صورة شبه حيوانية فكان أحدهما برأس إنسان وجسم قرد والآخر برأس إنسان وجسم ببغاء كرمز للهزل والخيلاء وقد تسبب ذلك في لفت نظره رسميا لكنه لم يأبه بل وقام بعمل عدة كاريكاتيرات تضم الصفوة في جلسات المرح مما اعتبره البعض اقتحاما لحياته الشخصية.
الوجه الثاني في التشابه بين دوميه ويوسف كوسا هو اشتراكهما في طرح فكرة الطغيان حيث يمثل كل منهما وثيقه فنية على طغيان الطبقة العليا في عصره وبالنسبة لكوسا كانت هذه الطبقة هي طبقة البيروقراطية التي كانت تتحكم في سياسة أستانبول من مقرها في بايأوغلو أحد أهم الأحياء السياسية في أستانبول والذي ضم طبقة من الساسة كانت هي محور سياسات الدولة العثمانية في هذة الفترة.
وبالنسببة لتقنيات يوسف فرانكو كوسا فهو مدرسة فريدة في الكاريكاتير لأنه جمع أعراقا كثيرة في شخصيته فهو يوناني سوري لبناني تركي ومن ثم كان يجيد لغات كثيرة ومطلعا على ثقافات كثيرة لكنه والحق يقال وجد في مدرسة النقد اليوناني بالكاريكاتير ضالته والمدرسة اليونانية في الكاريكاتير قديمة قدم الأمبراطورية العثمانية العتيدة. ومن ثم كان القراقوز اليوناني هو أبلغ أنواع التعبير عن هذا النقد السياسي للظلم العثماني فنشأت شخصيات القراقوز الشهيرة والتي تدور حول الباشا الظالم وهو الوالي العثماني ومساعده البيه الغارق في حب الراقصة والتي هي أحد أهم شخصيات القارقوز أيضا كذلك نجد تابع هؤلاء الأفندي– الأفنديس باليونانية– وهو موظف ظالم يعاقر الخمر وينفذ أوامر الوالي والبيه، فإذا عدنا لشخصيات يوسف فرانكو الكاريكاتيرية وجدناها صورة طبق الأصل من شخصيات القراقوز اليونانية مع بعض التهذيب بحيث أزال عن شخصيات القراقوز رعونتها لكنها احتفظ بنفس المضمون النقدي فهذا هو البيروقراطي العتيد صاحب المقام العالي صورة مطابقة للوالي وهذا هو الـ «بك» صورة مطابقة للموظف الكبير ذي النفوذ ونجد أيضا شخصية المغنية والراقصة وشخصية المطرب التي استوحاها من الحياة العامة في أستانبول التي كانت تميل للطرب وحب الموسيقى.
وتعتبر فكرة المبالغة في التنحيف أو التضخيم هي أحد أهم ركائز فن الكروتيسك أو الكاريكاتير ومن ثم كانت شخصيات يوسف فرانكو كوسا تسير على هذه الشاكلة من حيث إن بعضها يمل للنحافة وهو أحيانا دليل الضآلة أو الخبث مثلا لكن بعضها يميل للبدانة وهو أحيانا رمز للجشع والجبن والتراخي ومن ثم تصبح الشخصية التي تختلف فيها هذه المقاييس بالتبادل هي الشخصية الأكثر طبيعية، وأيضا استخدم يوسف كوسا دأبه دأب كل فناني الكروتيسك المبالغة في بعض الملامح مثل الأنف– وهي الفضلة لدى الجميع– والأذن ومعظم ملامح الوجه.
ويقول رياز بك كرياكو (كان يوسف فنانا مرهفا يجيد التعبير عن أفكاره من خلال الرسم الهزلي وعلى الرغم من أنه كان منشغلا كل الانشغال في عمله الوظيفي والسياسي فإنه كان يخصص وقتا كل يوم لهذا الفن الذي ملك عليه قلبه فنحن لا نتخيل رجلا برتبة وزير مثل يوسف كوسا يستطيع أن يجد وقت فراغ يمارس فيه هذا الفن الصعب بشكل متقن كما أتقنه هو ولكننا لم نكن نأخذه على محمل الجد حتى ذاع صيته في أرجاء الأمبراطورية.
هذه شهادة رياز بك كرياكو أحد أصدقاء يوسف كوسا وهو من أصول يونانية أيضا ولعلنا نقول إنه بدون اليونانيين والأرمن والبلغار وغيرهم لم يكن هناك ما يعرف بالإمبراطورية العثمانية لأنهم هم العضو الفعال سياسيا وفنيا واقتصاديا في هذه الإمبراطورية العتيدة بعد أن ترهلت وشاخت أن يوسف فرانكو كوسا كان هو الابن النجيب لتقنيات المدرسة اليونانية من ناحية المقاييس والأخيلة لكنه كان يدين للفنانين الأرمن بالكثير والكثير هؤلاء الذين أدخلوا فنون عدة للأمبراطورية العثمانية بل وكانوا رواد فن الكاريكاتير على ما يبدو من أسماء كثيرة مغمورة معظمهم كانوا على اتصال بالحركة الفنية العالمية بباريس ومن ثم كان يوسف كوسا أحد تلاميذهم بل وحتى قد أثر هو في الأجيال التالية من الأرمن بشكل واضح وجلي مثل المصري الأرمني صاروخان وزميله أسانتي وحيث اشتهر صاروخان بأنه أبو الكاريكاتير الصحفي المصري بينما اختفى الثاني بعد انجذابه أكثر لفن البورتريه الأكثر واقعية.
ينقسم المعرض الاستعادي المقام لأعمال الفنان الكبير يوسف فرانكو كوسا باشا والمقام في قاعة انيميتد في أستانبول ينقسم لعدة أقسام القسم الأول مخصص لسيرته الذاتية وصور له ولأسرته والقسم الثاني مخصص لشخصياته الكاريكاتيرة الشهيرة والمسماة– السادة البيروقراط– والقسم الثالث مخصص لمنطقة بايأوغلى نفسها والتي كانت تضم هؤلاء الشخصيات الكاريكاتيرية والتي كانت تمثل محور الطبقة السياسية وأصحاب القرار في الأمبراطورية العثماني في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وأما القسمان الآخران فيعرضان للحركة الفنية عامة في هذه الفترة ويستمر المعرض حتى شهر يونيه 2017.
ولد يوسف فرانكو كوسا باشا عام 1855 لأب وأم يونانيين ولد أباه في أسطنبول وكان جده نصري كوسا (كوساس) يونانيا يعيش في حلب في فترة هروب اليونانيين لحلب من عسف العثمانيين ولقد تأثر والده كثيرا بالثقافة العربية حتى أنهم كانوا يتحدثون العربية بلهجة سورية في المنزل وكان والده موظفا رفيعا في وزارة الخارجية التركية حتى وصل لرتبة مدير مكتب المراسم أما يوسف كوسا فولد في لبنان وعاش صباه في جبل لبنان ومن ثم كان تأثير الثقافة العربية عليه كبيرا حتى أنه كان يقول– الباشا الذي أرسمه هو ذلك الباشا العربي الذي يعتقد بأي حال من الأحوال أنه ذو جذور عثمانية وهذا هو مكمن السخرية لأن العثمانيين نفسهم بلا جذور- هذه الأقاويل كما نرى كان من شأنها أن تحد من تواجد يوسف كوسا في الوظائف العليا لكن العكس هو ما حدث حيث أصبح من من كبار موظفي الخارجية وكان وزيرا مفوضا في لبنان ثم أصبح من كبار ساسة بايأوغلو هذه الدائرة الشهيرة.
هو يوسف كوسا الرسم واتجه للكاريكاتير حتى أصبح من أهم رسامي الكاريكاتير في عصره وأثر كثيرا في الصحافة التركية الحرة فيما بعد ومات عام 1933.
