+ A
A -

مثلما كان العالم على موعد مع قطر في نوفمبر وديسمبر الماضيين لمتابعة أهم حدث رياضي، أعني منافسات كأس العالم 2022، التي حققت نجاحا باهرا، وأتاحت لعشاق الساحرة المستديرة في هذا الكوكب شرقه وغربه شماله وجنوبه الفرصة ليعيشوا أجواء الفرجة والمتعة والإثارة والتشويق والترقب لمعرفة الفائز بالبطولة، بعيدا عن هموم الحياة اليومية ومشاغلها، سيعود العالم من جديد ليكون على موعد آخر مع قطر أيضا، فتتوجه إليها الأنظار من كل حدب وصوب خلال الفترة من 23 إلى 25 مايو الحالي، ليتنفس الصعداء، ويحدو شعوبه الأمل بالخروج من عنق الزجاجة، وهم يتابعون رسم خريطة طريق واضحة المعالم، وإعداد خطط عاجلة تنبههم من كابوس الأزمة الاقتصادية التي خنقتهم إلى واقع جديد كله أمل وعمل، واقع يتحقق فيه الطموح المنشود على أيدي المشاركين في فعاليات النسخة الثالثة لمنتدى قطر الاقتصادي.

تأتي أهمية انعقاد هذه النسخة في هذا التوقيت من عدة جوانب، أولها أنها تجيء في وقت أضاع العالم فيه البوصلة التي تشير نحو الاقتصاد القوي الذي يحقق الحياة الكريمة، والنمو المستدام الذي ينشده الجميع، وفي خضم أزمات عجزت النظريات الاقتصادية المتكلسة عن تقديم الحلول لها، فمعدلات التضخم ارتفعت إلى نسب غير مسبوقة، وبنوك كبيرة أعلنت الإفلاس، وأزمة مناخ استعصت حتى الآن على الحل، واحتباس حراري هدد الأمن الغذائي والمائي، حروب عديدة نشبت، وقبل أن تضع حرب منها أوزارها نفاجأ بأخرى اندلع لهيبها.

في هذه الأجواء المشحونة باليأس والمتأزمة بالإحباط تقدم قطر قارب النجاة ليتخذ مسارا يرسو بالجميع في النهاية على بر الأمان، ذلك لأن من يرسم معالمه مئات الأشخاص الذين يبدؤون في التوافد على الدوحة قريبا، قادمين من عشرات الدول، بينهم صناع السياسة، ومتخذو القرار، والمبتكرون، وأصحاب التجارب الحديثة من رجال الاقتصاد والمال، ورواد الأعمال.

وبما أن قطر قطعت على نفسها عهدا ووعدا بأن تكون قوة للخير والسلام، فهذا المنتدى اعتبره حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى- حفظه الله ورعاه - في كلمته أمام الدورة الأولى، تدشينا لعهد ما بعد كورونا، وبالتالي فهو يعمل على رسم خريطة طريق جديدة للنمو العالمي في البيئات الاقتصادية لجميع الدول دون استثناءات، وهذا ما يميزه عن غيره من الاجتماعات والمؤتمرات التي عقدت بهدف الاستقطابات.

أستطيع أن أجزم بأن هذا المنتدى في دورته المقبلة سيحمل بشائر الخير بمستقبل اقتصادي واعد، وعيش كريم انتظرته الشعوب ردحا طويلا من الزمن، لأنه بلا شك سوف يستلهم التجارب القطرية الرائدة لتحسين مستوى الحياة، ففي مجال الأمن الغذائي الذي هو أهم ركائز وأهداف التنمية المستدامة التي يسعى العالم إلى بلوغها بحلول عام 2030 فإن قطر نفذت استراتيجية ناجحة قامت في الأساس على تطوير الإنتاج المحلي، ومن ثم تطوير قدرات الحفظ والتخزين، ولمزيد من التوضيح يكفي القول بأن بعض المواد الغذائية التي كنا نستورد ما يقارب الـ 85 % من احتياجاتنا لها قبل سبع سنوات أصبحنا نحقق منها الاكتفاء الذاتي، ونصدر الفائض إلى الخارج، ومن هذه المواد على سبيل المثال لا الحصر الألبان ومشتقاتها واللحوم بأنواعها فضلا عن الحبوب والخضراوات بتفرعاتها.

ولكون هذه النسخة من المنتدى هي الأولى بعد بطولة كأس العالم فسوف يكون تقييم النتائج الاقتصادية والتنموية للبطولة أحد المحاور الرئيسية خلال المناقشات، والاقتداء بما تم من منجزات في قطاعات التشييد والسياحة والضيافة والنقل والصحة والبيئة والطاقة البديلة والخضراء والبنية التحتية والمعرفة، وبراعة الترتيب والتصميم والتنظيم لاستضافة كبريات الفعاليات.

فما حققته قطر من تعزيز التنويع في الاقتصاد الإنتاجي لا الريعي هو الضمانة الرئيسية للتغلب على الأزمات الاقتصادية وفي مقدمتها التضخم، وبالتأكيد ليس رفع الفوائد أو ضخ الأموال، فعلى مدى عام كامل وأكثر عايشنا في الأزمة الحالية الدول وهي ترفع فوائد البنوك على شهادات الاستثمار والادخار شهرا بعد آخر دون إعطاء الأولوية للإنتاج، وصرفوا للعملاء عوائد طائلة كفوائد لهذه الشهادات وعندما ذهب الناس إلى المراكز التجارية ووقفوا في الطوابير للشراء فوجئوا الرفوف خاوية وخالية من السلع، فكانت النتيجة زيادة المطلوب وقلة المعروض وبالتالي زادت حدة التضخم.

لابد لي في ختام حديثي أن أتقدم بالشكر إلى سعادة رئيس وأعضاء اللجنة العليا الدائمة المنظمة للمنتدى على ما يبذلون من جهد غير عادي في تنظيم هذه الفعالية العالمية، وإعداد جدول موضوعات لموضوع معقد محفوف بالكثير من التحديات، وهم أهل لهذا، فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله.

بقلم: د. بثينة حسن الأنصاري خبيرة تطوير التخطيط الاستراتيجي والموارد البشرية

copy short url   نسخ
03/05/2023
135