مثّل التصويت الأخير على انتخاب الأمين العام لجامعة الدول العربية باختيار وزير خارجية نظام مبارك المصري «أبو الغيط» صدمة كبيرة للشرائح الأوسع من الجماهير العربية التي رأت فيه انتصارا جديدا للثورة المضادة في مصر وفي المنطقة العربية ككل. الثابت هو أن المؤسسات الرسمية العربية جميعها كانت في أغلبها تعمل تحت وصاية النظام الرسمي العربي القديم وعلى رأسها جامعة الدول العربية التي كانت ولا تزال المكان الأبرز لقراءة الخلافات العربية ولتبين حجم التباين في الموقف العربي بشأن القضايا الأساسية والمصيرية للأمة.

الإجماع على انتخاب وزير الخارجية المصري الأسبق ـ باستثناء التحفظ القطري ـ لم يرسل رسائل ايجابية لقطاعات كبيرة من المراقبين العرب والأجانب فضلا عن المكون الأعرض من الجماهير التي رأت فيه انتصارا للحليف الصهيوني خلال الحرب الأخيرة على غزة والتي عبرت عنها التصريحات الخطيرة للوزير المصري بشأن المعبر والعالقين عليه.

التحفظ القطري على انتخاب أبو الغيط هو تحفظ يسعى إلى عدم الخروج عن الخط العربي وعن الاجماع وعيا بحساسية المرحلة وخطورتها على المنطقة العربية ككل وهو موقف يمثل الحد الأقصى للدبلوماسية القطرية من أجل الحفاظ على وحدة الصف داخل السياق الحربي خاصة فيما يتعلق بمناورات «رعد الشمال».

فبقطع النظر عن الاحترام الكبير الذي قوبل به الموقف القطري على مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات التواصل الأخرى بما يمثله من انعكاس لرفض شعبي وجماهيري عربي حقيقي لشخصية أبو الغيط بتاريخها الحافل بالعمل ضد المصالح العربية القومية المشتركة فإن طبيعة العمل العربي المشترك نفسه تستلزم اليوم شخصية تعكس ولو بقدر أدنى وعيا بالتغيرات الجديدة والمتسارعة في المنطقة العربية.

أبو الغيط ينتمي إلى الجيل القديم أو إلى جيل عجائز الدبلوماسية العربية الذين فشلوا منذ سنوات وعقود في تفعيل قضية عربية واحدة بل العكس من ذلك فإن حصاد السنوات الأخيرة وصولا إلى زلزال الربيع وثوراته يكشف بما لا يدع مجالا للشك الفشل الذريع للعمل العربي المشترك. وليس أبلغ اليوم من المحنة السورية التي عجز النظام الرسمي العربي فيها عن التدخل وتحوّل الصراع داخل الأرض السورية إلى صراع إمبراطوري على الأرض العربية وعلى المصالح العربية التي تدّعي جامعة الدول الدفاع عنها وتبنيها.

بقطع النظر عن انتخاب أبو الغيط أو غيره فإن المرحلة الراهنة للواقع العربي لا يمكن أن تدار بنفس العقليات وبنفس المرجعيات السابقة فحتى أولئك الذين يزكّون خبرة الأمين العام الجديد فإنهم غير واعين بأن المرحلة الحالية لا يمكنها أن تدار بالعقلية السابقة لأن التوازنات الجديدة في المنطقة تفترض وعيا جديدا وقراءة جديدة للراهن العربي ولمجمل التقاطعات التي يكونها.


من يراهن أيضا على أن الجامعة العربية ليست مؤسسة ذات قيمة كبيرة اليوم وأن مجمل القرارات الحاسمة إنما تتخذ خارجها لا يعي أن ضرورة وجود العمل العربي المشترك ولو في حده المؤسساتي الأدنى هام جدا لأن إضفاء الشرعية على القرارات العربية هو انقاذ للنظام العربي نفسه من السقوط. إن درس غزو العراق الذي مرّ عبر جامعة الدول العربية وفشل إدارة الملف السوري عربيا إضافة إلى تأزم الوضع الفلسطيني وزحف المشاريع التوسعية الامبراطورية على أرض العرب... كلها مؤشرات على الضرورة الملحة لإصلاح الجامعة العربية أو تعويضها بجسم جديد يتناسب مع التطلعات الجديدة للأمة ولشبابها وللأنظمة العربية نفسها قبل الآخرين.