+ A
A -

الحياة مسرح يزخر بأحداث وقصص متنوعة نتعلم منها الكثير. الحكيم هو من أرهف السمع، وأجال النظر في هذا الكون الفسيح، وألقى الضوء على تجاربه وتجارب الآخرين فارتقى فكراً وروحاً، وتجنب أخطاء من سبقوه، ومشى على درب النور وصولاً إلى الشمس. أما الذي يعمي بصيرته، ولا يتأمل ما حوله، ولا يستوقفه موقف أو تجربة لينهل منها علماً ودروساً مفيدة؛ فمآله إلى العتمة وخيبة الأمل.

في علاقاتنا مع الآخرين، هناك محطات لا بد أن نمر بها، ومراحل نتنقل فيما بينها. في البدايات، نظن أن الدنيا وردية، وأن سماء المحبة لن تتلبد بالغيوم، ولن تصبح رمادية مهما طال الأمد. لكن الواقع سرعان ما يدلي بكلمته، ليعلمنا أن بقاء الحال من المحال، وأن أي علاقة بين إنسانين في الوجود كله يجب أن تأتي عليها لحظات يحدث فيها خلاف وخصام ونزاع أحياناً. لهذا كله، يجب أن نتعلم فن إدارة العلاقات، ونعرف سبل علاج المشكلات قبل أن تتفاقم فيستعصي حلها.

بعض الناس يرون أن كرامة الإنسان أهم من الحب، بحجة أن الحب ينتفي من دون كرامة. الحقيقة هي أن كلامهم صحيح (100 %)، وإذا كنت لا تصدق فجرب وتأكد بنفسك. من دون احترام متبادل بين طرفي العلاقة لا يستمر شيء. وإذا بعت كرامتك تحت أي ذريعة أو مسمى فأنت الخاسر الأول والأخير مهما كانت الأسباب.من فقدوا كرامتهم فقد الناس احترامهم لهم، ورحل عنهم الأحبة واحداً تلو آخر. لأن الإنسان بلا كرامة يصبح هشاً مستهلكاً ضعيفاً وغير أهل للثقة أو الاحترام من قبل الآخرين.لكن هل معنى هذا الكلام أن التنازل من أجل الحبيب جريمة؟ وهل عليك ألا تغفر قولاً أو فعلاً مهما كان صغيراً، فتتحول إلى قاضٍ شرس وجلاد لا يعرف الرحمة؟ البعض سيجيب بنعم، لكن هذا خاطئ بكل تأكيد. كذلك جرب وانظر كيف ستفقد كل من حولك إن أصبحت ذاك الشخص الذي يحاسب على كل كبيرة أو صغيرة. حيث سينفض الناس من حولك، وستجد نفسك في نهاية المطاف وحيداً تكلم حيطان غرفتك الصغيرة.

أن تتنازل أكثر من اللازم أو تحاسب أكثر من الضروري؛ كلاهما تصرف خاطئ يؤدي إلى نتائج وخيمة على صعيد حياتك الشخصية أو الاجتماعية أو المهنية. إن تجارب الحياة تقول بأن كل من يتنازل أكثر مما يلزم يتم التنازل عنه ورميه على قارعة الطريق كأنه شيء مهمل لا قيمة له. وكل من يجور في تعامله مع الآخرين يفقد احترامهم ومحبتهم. فما الحل؟

إن التنازل في سبيل حل خلاف وإعادة أواصر المحبة أمر ضروري لا غنى عنه، ولا يعتبر انتقاصاً من قدرك أو كرامتك. لكن التنازل ينبغي ألا يكون أحادي الجانب بل مشتركاً بين طرفي العلاقة. لهذا السبب، تذبل علاقات كثيرة في شتى أنحاء العالم لأن أحد الطرفين يقدم التنازلات بينما يكتفي الآخر بالأخذ دون عطاء ويفقد احترامه وتقديره للشخص الذي أخذ على عاتقه مهمة التنازل كل مرة.

والتنازل من أجل المحافظة على الود فعل مستحب ومرغوب ويدل على الشهامة والنبل والإخلاص في المحبة، لكن فقط مع من يقدرك حق قدرك، لا مع كل من هب ودب. فالمقولة الشهيرة تقول: «إذا أكرمت الكريم ملكته.. وإذا أكرمت اللئيم تمردا».

فلا تطارد مَن تحبهم كأنك محقّق يريد تسجيل كل قول أو تصرف سيئ يفعلونه، ثم تحاسبهم على أبسط الأقوال والأفعال؛ بل كن رحيماً عند الضرورة، متسامحاً وقت اللزوم. انتبه لمن تتنازل، واعتدل في تنازلاتك بقطع النظر عن مدى حبك للطرف المقابل، ولا تبخس ذاتك حقها أو تفرط في قدر نفسك. بهذا تحافظ على علاقاتك، والأهم من ذلك تصون كرامتك، وتضمن احترام الجميع لك.

copy short url   نسخ
01/05/2023
1585