+ A
A -

تزخر المواقع والمنصات والتحاليل والقراءات السياسية بفرح غير مبرر احتفالا بتراجع الدور الأميركي في منطقة المشرق العربي وحول العالم بعد مجموع التطورات الأخيرة، بقطع النظر عن صحة هذه المعطيات فإنها توجب التوقف عندها لتأمل تبعات صحتها من عدمه وآثار ذلك على واقع شعوب المنطقة.

لنضع جانبا الجرائم الأميركية في المنطقة، وخاصة ما يتعلق بغزو العراق وموقف الشعوب العربية منها ولنراقب آثار التراجع الأميركي في منطقتنا: هل نملك نحن العرب القدرة على سدّ الشغور الأميركي في حال صدقت توقعات هذا التراجع؟

من سيخلف القوة الأميركية في المنطقة ؟ ألم تكن الولايات المتحدة بكل مساوئها قوة توازن وردع في المنطقة ؟

إن تراجع الحضور الأميركي في ظل التفكك العربي وتصاعد الأطماع الصينية والروسية خاصة، قد يؤدي من جهة أولى إلى تعويض قوة عقلانية بقوى أكثر جشعا وقدرة على خلق الفوضى، كما أنه قادر على إضعاف المنطقة ودفع بعض الأنظمة إلى مغامرات توسعية.. إن ظمأ الصين لمصادر الطاقة ومحاولات روسيا استعادة مجدها الإمبراطوري قد يفتح المنطقة على مزيد من الصراعات والفوضى، وقد يؤدي إلى ارتهانها الاقتصادي والتجاري في مواجهة قوى عسكرية واقتصادية عملاقة.

من جهة ثانية سيكون من المبكر الحكم على القوة الأميركية بالتراجع لأنها لا تزال تحتفظ بكل مكونات القوة وسط انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا، وسعي الصين إلى المحافظة على مسارها الاقتصادي التصاعدي بعد الأزمات الأخيرة التي عرفها العالم. لكن لا تزال المنطقة العربية تملك خيارات قائمة على القدرة على تجاوز الخلافات البينية والتأسيس لإطار يجمع الحدّ الممكن من التنسيق لتعويض أي خلل في موازين القوى الدولية.

يمكن أن يكون التراجع الأميركي من وجهة نظر أخرى مؤشرا على اتجاه العلاقات الدولية إلى عالم متعدد الأقطاب قد تستفيد منه الدول الصاعدة التي تحسن قراءة المسارات الجديدة التي هي بصدد التشكل اليوم. إن وضع برنامج عمل إقليمي أو حتى محلي عربيا يبدأ بنزع فتيل المناطق المشتعلة في اليمن وسوريا والعراق وليبيا والسودان والعمل على امتصاص الآثار الاجتماعية للأزمة الاقتصادية الخانقة، يمثل مقدمة ضرورية لوقف نزيف الانزلاق نحو الهاوية.

إن التعويل على الداخل وتحصين جبهته مع الحذر من تحولات الخارج هي الخطوة الأساسية التي يمكن البناء عليها عربيا من أجل تحرير الأوطان، من الارتهان لتقلبات السياسة الدولية وأطماعها الاستعمارية المتجددة.

copy short url   نسخ
13/04/2023
70