+ A
A -

قد لا يختلف اثنان من المختصّين على أن ظهور الفضاء السيبراني أدى إلى تغيير جذري في الطريقة التي تُظهر بها الدول قوتها، وقد أزاح وحيّد هذا الفضاء عناصر كثيرة من القوة التقليدية عن مواقعها التي تربّعت عليها فترات طويلة، وأفصح عن مجالٍ جديدٍ لبلورة شكلٍ جديدٍ للقوة المؤثرة والفاعلة، فإذا كان التغيّر في فجر التاريخ بطيئاً، فإنه حالياً يتّسم بتزايد سرعته بسبب ثورة المعلومات والاتصالات الهائلة التي تدخّلت لتغيّر من مفهوم الزمن، وتحوّله إلى حالة ديناميكية، إذ بتنا نعيش في عصرٍ يتحوّل فيه الخيال العلمي إلى واقع، ويبدو فيه كل شيءٍ ممكناً. حتى قبل عدة أعوام، كان من المستحيل، بالنسبة لنا، أن نتخيّل صاروخاً فضائياً يهبط بأمان على منصّةٍ بعد أن ينقل حمولته ويُعاد استخدامه؛ أو أن يتم استخدام طائراتٍ بدون طيّار لتوصيل الطرود للعملاء؛ أو أنظمة النقل البرّي السريعة مثل Hyperloop التي تحوّل جذريًا نموذج سرعة الأرض وقادرة على سرعات تزيد عن ألف كيلومتر في الساعة.كل ثانية وكل دقيقة وكل ساعة وكل يوم، ثمّة أخبار عن اكتشافات واختراقات جديدة لديها القدرة على تعطيل قطاعات متعدّدة من حياتنا وسبل عيشنا، بدءاً من السيارات ذاتية القيادة إلى الروبوتات والآليات المستقلة القائمة على الذكاء الاصطناعي والأجهزة الذكية الرخيصة التي يُمكنها أداء مجموعة من الأشياء البسيطة أيضاً، روبوتاتٍ يمكنها إجراء عمليات جراحية معقّدة... إلخ.

تنبع معظم الاختراعات الحديثة من إنجاز رئيسي واحد، وهو الرقمنة، أو القدرة على تحويل الكلمات والصور والإشارات والأصوات ومقاطع الفيديو إلى سلسلة من النبضات الكهربائية أو الضوئية التي يمكن معالجتها ونقلها وإعادة إنشائها وإرسالها وتخزينها وتحويلها مرة أخرى إلى الكلمة الأصلية، الصورة، الفيديو، مع عدم وجود الحدّ الأدنى من الخسارة أو التشويه.. يجري هذا كله ضمن بيئة الفضاء السيبراني الذي يمثل جانباً مهما جداً من حياتنا البشرية واقتصادنا وتجارتنا وتعليمنا، وحتى حروبنا.

ليس من المبالغة القول إن الفضاء السيبراني يعدّ أحد أهم وأعظم اكتشافات البشرية، فهناك أكثر من 5.16 مليارات شخص متصلون بالإنترنت بمعدل انتشار يبلغ 65 %. وهناك ما يقرب من 2.5 كوينتيليون (واحد على يمينه 18 صفراً) بايت من البيانات كل يوم، ويرتفع هذا الرقم أيضاً بمعدّل ينذر بالخطر.

خالد وليد محمود كاتب وباحث

{ العربي الجديد

copy short url   نسخ
10/04/2023
10