+ A
A -

أبارك للزملاء في وزارة الثقافة القائمين على استحداث وتنظيم معرض رمضان للكتاب في نسخته الثانية ليكون ثاني أكبر حدث ثقافي يُعنى بمجال التأليف والنشر بعد معرض الدوحة الدولي للكتاب. وأجد أن هذه الخطوة تستحث الجمهور المهتم الذي ينتظر موسم معرض الكتاب الدولي من عامٍ إلى عام، ليجد في معرض رمضان للكتاب فُرصة أخرى للالتقاء بدور الكتب والاستفادة من الإصدارات الجديدة التي يحرص على اقتنائها والاستفادة منها. وإني لأثمِّن الحراك الثقافي الذي يشهده المعرض والفعاليات الفكرية والحوارية والاجتماعية والدينية التي تنظَّم على ثناياه والتي تعدُّ فرصة رائعة، في حدِّ ذاتها، لتعزيز ثقافة القراءة والانطلاق نحو المعرفة والتقفِّي العلمي الرصين.

ومن مُلحقات هذا المعرض أنه يُنظَّم في موسم رمضان... وهو موسمٌ روحي بامتياز، يجد فيه المرء نفسه مُجبلًا على العودة إلى داخل روحة، محاولًا شحنها ما استطاع بالذكر والدعاء والتبصُّر في الأهداف الدنيوية والأخروية، وهي فرصة مناسبة لشحذ الهمة الفكرية كذلك، والاهتمام بالبناء العقلي الرصين من خلال ما تقدمه المتون العلمية والأدبية فوائد جمَّة؛ تُسهم إسهامًا عميقًا في البناء الروحي والحضاري للإنسان المعاصر.

وربما حديثنا عن هذه المناسبة السنوية التي سترتبط بشهر رمضان ينقُلنا إلى تسليط الضوء على مفهوم توطين الكتاب توطين الثقافة، وإنِّي أجد أنَّ هذا المفهوم السوسيولوجي، يتجلَّى في الدعم المتصاعد الذي تقدمه دور النشر المحلية وكذلك القائمون على النشر في وزارة الثقافة، في دعم الكتاب المحليين وتكوين الأنوية المحلية المهتمة في مجال الكتابة بالتدريب والتوجيه. وأعتقد أن آليات وخطوات الوصول إلى نسبة معقولة من هدف توطين الكتاب يُحيلنا إلى جملة من التراكمات الملحقات المنطقية، إذ تشمل الدعم الحقيقي الجاد الذي يقدمه العاملون في حقل النشر والتأليف وطرق تفكيرهم وقيمهم العامة واستعدادهم لتقديم التوجيه والتدريب والاحتواء الثقافي للمحترفين والهواة والناشئة؛ لتشكل بذلك إطارًا رئيسيًا يمكن من خلاله تحقيق هذا الهدف بالشكل المعقول والمأمول.

وفي هذا المقام أجد أن هدف توطين الكتاب عليه أن يسير جنبًا إلى جنب تدويل الكتاب المحلي، فالكثير من كُتابنا المحترفين لهم إصدارات علمية وأدبية رصينة جدًا، تفيد المكتبة الثقافية والعلمية العامة في كل مكان، وعليه، سيكون من الهادف جدًا تأسيس استراتيجية جادة تسعى إلى تدويل هذه المعارف المحلية من خلال ترجمة هذه المتون العلمية إلى اللغات العالمية وتسويقها في مختلف معراض وملتقيات النشر العالمية.

فلا غضاضة أنَّ السعي لتدويل المتون الرصينة المحلية سيسهم في تعرُّف الآخر على ثقافتنا بشكل أعمق، هذا الآخر الذي يعتبرنا في كثير من الأحيان مستهلكين للكافة أشكال المعرفة، ولا يُدرك كثيرًا، ان لدينا إرثًا معرفيًا عتيقًا ابتداءً من أيام الحضارة الإسلامية الأولى وصولًا إلى الجهود الفردية والمؤسسية، الحالية. إذن فالترجمة إلى اللغات العالمية الحية يُمكنها أن تكون أداة للتنمية الشمولية ونقل المعارف العلمية والأدبية والثقافية العامة للحضارات والأمم الأخرى في العالم. ويبقى القول إن المسعى المحلي نحو العالمية يحتاج إلى تخطيط استراتيجي منظم، فانتقاء المعارف النافعة لإخضاعها للترجمة عملية هامة، كما أن إعداد المتون للترجمة ثم ضبط الترجمة وتسويقها تعتبر خطوات دقيقة وتحتاج إلى جدية وسعي حثيث لتحقيقها على أرض الواقع.

copy short url   نسخ
09/04/2023
45