+ A
A -
في القاهرة، كما في عواصم عربية أخرى، يبدو أن هناك مستثمرين أذكياء لفترة خطوبة الشباب، فهم يعرفون، المستثمرين، أنها فترة تكون مليئة باللقاءات الحميمة، والجلسات الطويلة، التي يتخللها «المشاريب» الدافئة والمثلجة، التي تهدئ الروع وتخفف التوتر، أو التي تطارد النوم من العيون كما فناجين القهوة التركي وكاسات الشاي الصعيدي الثقيل.

هناك من يتحسس جيوب الشباب الخاوية سعيا لاستنزافها كلما أمكن له ذلك، فقوانين الاستثمار لا تعرف الرأفة، ولا تعترف بمسؤولية اجتماعية، ولهذا تجد في قاهرة المعز شوارع طويلة، في أحياء راقية، ملأى بالكافيهات والمطاعم والكافتيريات ذات الأسماء العالمية الرنانة، ومعظم حضورها من الشباب من الجنسين، وربما الغالبية من المخطوبين المقبلين على الزواج، أما الأسعار فهي فلكية، قياسا على قيمة المشروب.

أنظر أحيانا إلى كل هذه الأعداد من الشباب المقبلين على الزواج، وأتساءل في نفسي: من أين تأتينا، إذن، نسبة الطلاق التي تلامس الأربعين في المائة من حالات الزواج، وكل هذا الحب موجود، ويدفع المخطوبين كل هذه التكلفة وهم في طريقهم إلى الزواج؟

ما يمكن أن تراه لا ينبئ على الإطلاق أن هناك عذابا اسمه الطلاق يداهم نسبة كبيرة من المتزوجين، بل وبعضهم يكونون من المتزوجين حديثا، وتحسب أن ما تراه من رومانسية رقراقة، وأحاديث وابتسامات.. الخ الخ، سوف يحصن الحياة الزوجية من انهيارات ورضوض وكدمات تنتهي بالطلاق.

لا تفسير لارتفاع معدلات الطلاق في المجتمع، إلا أن معظم هذه الرومانسية التي نراها كذبة كبيرة، وأن كلا من الخطيبين يكون في هذه العلاقة وجها مزيفا، متنكرا، متقنعا، مؤجلا الظهور بالوجه الحقيقي إلى ما بعد الزواج، وأن القول الشائع: «ما كنت أحسبه موسى وجدته فرعونا»، هو قول يتردد كثيرا، وله نصيب من الصحة في مواقيت الخطوبة، وأن كلا من العروسين يكون له عالمان، أولهما عالم افتراضي يصطنعه، والآخر عالم واقعي يواريه، حتى أن محاميا يجلس بمقهاي المفضل قال لي: تبينت من كل قضايا الأحوال الشخصية التي مرت بي أنه يمكن تلقيب فترة الخطوبة بأنها زمن الكذب المباح، فالصراحة والشفافية تكونان في إجازة إلى ما بعد الزواج، بينما الغاية الأساس من الخطوبة هي الصراحة المطلقة التي من خلالها يدرس كل من الطرفين مدى ملاءمته للآخر، وما هو المشترك بينهما، وأيضا ما وجوه الاختلاف التي يتعذر غض الطرف عنها.

من الغريب والصادم أن هذا المحامي الذي يقول لي إن مكتبه مليء بقضايا نزاعات الطلاق والخلع وما قبلهما وما بعدهما يمتلك كافتيريا من ذوات الأسماء العالمية، أي أن الرجل يستثمر في «كوميديا» الخطوبة الكاذبة، وأيضا في «دراما» نزاعات ما بعد الزواج.

الرجل ليس مسؤولا عن الرياء والكذب والنفاق الذي يتخلل زمن الخطوبة، وبالنتيجة يصعب القول إن مصائب الزواج الفاشل فوائد لهذا المحامي، ولكن المسؤول الأول هي التربية على عدم المصارحة، وعلى الاحتيال والخديعة، وربما أن ذلك هو السر في طلاقات تقع في اليوم التالي للزواج، حينما يكتشف المعرس أن زوجته ليست الفتاة التي كان يعرفها، لأن كل شيء فيها مفتعل وصناعي ومفبرك..
copy short url   نسخ
10/05/2016
582