+ A
A -

كثر منا أدمن إطلاق الأحكام وأخذ الانطباعات عن الناس والقضايا بلا أدنى دقة..

وبضمير ضامر اعتدنا تعميم المخصص وتخصيص المعمم، فالندرة هي من تسعى لتحري الحقيقة، فلأن معرفة الحق تزعج وإصابة الحقيقة تفضح خطأ المعتقد، فنجد العوام يرتاحون لتصديق صحة قناعاتهم الموروثة عوضاً عن تعديلها للأصوب.

ولن أمل من ترديد مقولة: «إن تغيير عاداتنا أصعب من هدم الأوثان». حتى إننا تماهينا مع عادة الإغراق في التعميم وتكوين صور مثالية وأحياناً وهمية أو مشوهة عن شخصيات، أو عن شعوب برمتها لمجرد تعاملنا مع نموذج أو اثنين.

أما لو ذكر أحدهم أنه سافر إلى بلد ما، فهذا كفيل بتحويله لخبير استراتيجي ضليع في الحكم على خبايا هذا الشعب.

هكذا، تم تشويه سمعة أهل الخليل، فصاروا بخلاء رسمياً أو مزحاً للإفلات من العتب – لم يذكر الله قصة لأي كريم في القرآن إلا قصة إبراهيم الخليل حينما ضيّف أغرابًا بعجل حنيذ- ومع هذا، لا نجد غضاضة للترويج لبخل الخلايلة.

وبالمثل صارت السورية أفضل كزوجة من سائر العربيات ما سبب الشحناء بين القوميات المختلفة.

وبالطريقة ذاتها عُرف عن الشراقوة الكرم، والحسن عن أهل المنصورة، والعند عن الصعايدة.

وما اكثر من يسارع بالتصديق ويبادر بنقل هذا الهراء.

إننا أساتذة جلد الذات وخبراء في هدم أي إيجابيات في مجتمعاتنا، فصدق فينا قوله تعالى: «سماعون للكذب»، وأحسب انه آن أوان غض الأذن كما غض البصر.

وبالطبع لم تسلم أم الدنيا، التي ذكرت في التنزيل ويشيد بها العالم بأسره، عدا أهلها فإنهم مهرة في قدح أنفسهم حتى صارت ميزة المصريين الوحيدة هي أن دمهم خفيف! فأي جمال في مصر يتنكر له، بل يبرر بأن صاحبته من أصل تركي وحبذا لو وجدت محمدة، فإنها تجد من الحجج بأن صاحبها قد عاش في مجتمع غربي!

دعوني أحدثكم وكلي حرج عن أعداد كبيرة من شتى بقاع الوطن العربي لديهم تصميم على تعريف أنفسهم كبريطانيين أو أميركان لحياذتهم جواز سفر أجنبيا، فتنصلوا من جذورهم كأنها العار وصار لسان حالهم يقول: «متفرنج وافتخر»!

وكم يحز في نفسي أن أجد الألمان يروجون لعبقرياتهم وشعوب سويسرا يتفاخرون بدقتهم وأهل فرنسا يعتزون بفنونهم وأناقتهم، بينما يشيد أبناء النمسا بإبداعاتهم وبجمال بلادهم والأميركان يتشدقون بتفوقهم العلمي والحربي والمواطن الياباني يؤكد على تفوق بلده الاقتصادي، في حين نتسابق نحن للتراشق بالتشنيع عن سلبياتنا وإنكار فضائلنا ونشر فضائحنا وعوارنا وعوراتنا ولو اعتززنا بميزة، فهي الدم الخفيف وكأنها مهارة نريد أن نتحصل منها على «نوبل» أحلى نكتة!

أحسبني ضد النعرات العصبية، فلقد قالها الرسول: «اتركوها فإنها منتنة».

وبالمثل فإني أدعو لترك التفرنج.. فإنه منتن.

لكن كم يستوقفني تمسك المرء بأصله لذا، أعترف بإعجابي «بعرار» أحد كبار شعراء الأردن، حينما سافر للدراسة بدمشق وحين عاد اتهموه بالتفرنج فكتب:

قالوا: تدمشق، قولوا بلى لا يزال

على عهده إربدي اللون حوراني

قالوا: يحب. نعم احب ومذ متى

كان الحب سبة يا أهل عمّان.

copy short url   نسخ
08/04/2023
165