+ A
A -
تصفح الجرائد اليومية في مقاهي البلدي المفضل، مصحوبا ذلك بالتدخين، عادة صباحية صارت مستبدة بصاحبها، ورغم ان هذا المقهى بسيطا، وليس متحذلقا في ديكوره كما مقاه اخرى، إلا أن أجانب غرباء يرتادونه، بعضهم التبس بعادات مرتادي المقهى من المصريين، فصار يعرف اسم كل مشروب، وكل نوع من اصناف دخان الشيشة، بل ويطلب من نادل المقهى طلبه بلغة «فرانكو آراب»، وبعضهم الآخر يكون على مقعد المتفرج، متأملا ما يدور في المقهى، وكأنه يدرس ظواهر، ويختزن صورا، ويحلل مشاهد، ومن بين الاخيرين زوجان يابانيان ضلا طريقهما إلى المقهى، أراهما يتجاذبان اطراف حديثهما بصوت غير مسموع، وكأن مرتادي المقهى سوف يفهمون لغتهما اليابانية.

كنت اظنهما يقارنان بين طريقة تقديم الشاي في بلدهما اليابان التي لها تقاليد راسخة، وطريقة تقديم الشاي في مقهى مصري، ولكن نقاشهما الثنائي تجاوز الشاي تماما إلى «الشيشة»، ولأن الزوج كان على مقربة مني، فسألني بالانجليزية التي لا أجيدها، عن اسم هذه «الآلة» الغريبة التي يطلبها كل زبون يدخل المقهى، بما فيهم الأجانب، فسميتها لهم، وحرصت ألا أزيد، لولا سخاء الاسئلة التي تلقيتها منهما، كما حرصت ايضا التحذير من الشيشة ومخاطرها الصحية، فقابلا تحذيري هذا بابتسامة ساخرة، لسان حالها: كيف تحذرنا ايها المنافق من الشيشة، بينما تدخنها باستمتاع وانت تحدثنا؟

الزوجة أرادت ان تقطع الشك بيقين التجربة، على عكس الزوج الذي التزم حذرا، ولم افلح في اثنائها عن طلب الشيشة، وكأنه قد اسعدها الانضمام إلى زمرة المدخنين.

رحت أتحدث مع الزوج مشيدا ببلاد الشمس المشرقة، وراح هو ايضا يحدثني عن سعادته بالقاهرة، ولكنه كان صادقا، حينما قال لي: انتم بحاجة إلى قرار من اعلى سلطة بالدولة لمنع تدخين الشيشة، التي لا تكبدكم فقط ثمن الدخان الذي يحترق ملوثا البيئة، وثمن الفحم الذي لو تم تجميعه من كل مقاهي القاهرة، لأسهم بقدر كبير في تشغيل مولد للكهرباء، لكن تدخين الشيشة ايضا يستنزف وقتا طويلا من مدخنيها، بينما انتم في حاجة إلى مضاعفة ساعات العمل ليرتقي مجتمعكم، وإلى انقاذ عمالكم مما يضر بصحتهم.

لم تمض دقائق قليلة حتى جلب النادل شيشة للزوجة، التي راحت تدخن، وتنفث دخانها في الهواء في بادئ التجربة، كما لو انها من عتاة المدخنين.

ولم تمض دقائق حتى وجدتهما يهرولان معا على عجل إلى سيارتهما، ومن المؤكد إلى منزلهما القريب، فقد فعلت انفاس الشيشة القليلة مفاعيلها، وهو ما اظن ان الزوجة، بعدما اعتراها ما اعتراها من اسهال ودوار، لن تفكر ثانية في تجريب تدخين الشيشة.

ربما ان اليابانيين يدرسوننا متسائلين: كيف تريدون ان تتقدموا وتبنوا بلدكم، وفيها كل هذا العدد الهائل من المقاهي، ومن عاداتكم تدخين الشيشة، فالمقاهي ومعها الشيشة معول هدم، واخطر استنزاف لوقتكم وصحتكم.

من المعروف أن العمل المنتج يحتل المرتبة الأولى في سلم القيم اليابانية، أما في مجتمعاتنا فالامر مختلف، ولهذا سمعت احد حضور المقهى يقول مندهشا لصديقه: انظر الصحيفة، في فنزويلا قرروا يوما عمل في الأسبوع، فلماذا لا نفعل الشيء ذاته، فهذا الذي يتحدث ترك كل الاخبار في الصحيفة التي يقرأها، وانتقى فقط الخبر الذي يطمح إلى الاقتداء به في مصر، فيعمل فقط يومين في الاسبوع، وباقي الايام على المقهى.

جمعت صحفي وغادرت المقهى، وأنا أضرب بالصحف كفي!

بقلم : حبشي رشدي

copy short url   نسخ
03/05/2016
697