+ A
A -
كان «العم شهدي» عاملا أميناً ومحبوبا من كل العاملين بمجلة العهد القطرية التي توقفت عن الصدور منذ سنوات، ومثله «العم حسين» في «الوطن»، فمن راتب محدود نجح «العم شهدي» في تربية خمسة ابناء وبنات، وعلمهم تعليما جامعيا جيدا، فبكرهم حصل على معدل في الثانوية العامة يؤهله للالتحاق بأي كلية يريد، وخضوعا لطموح الاب التحق هذا الابن بكلية الطب، التي لم يكن يروق له تخصصها، ولهذا ما ان انتهى عامه الدراسي الاول فيها حتى قرر التحويل إلى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بعدما اضاع عاما من عمره، وفي هذه المرة اختار الابن التخصص الذي يروق له، والذي تفوق فيه،و أنقذ نفسه من أن يكون طبيبا فاشلا، كما آلاف الاطباء وانصافهم الذين اصبحوا عالة على أنفسهم ومهنتهم.

وفي واقع الامر انه كان يروق لي الانصات إلى قصص وتجارب نضال بسطاء وهم يسقون بذور العظمة في أسرهم بعرقهم وكدهم، لأن في حياة هؤلاء ما يمكن ان يستوقف المرء، على الاقل لأحسن معاملته ويزيد احترامي له

وسوف تكتشف بلدان عربية انها أهدرت مواهب وطاقات شباب، حينما اعتمدت فقط على معيار معدل الطالب في الثانوية العامة لإلحاقه بالتخصص الجامعي، لأن معيار المعدل لا يكفي وحده في تحديد التخصص واكتشاف المواهب والميول، ولأنه لا تتوفر وسائل وأدوات إرشاد واختبار بديلة ترشد خريج الثانوية إلى التخصص الجامعي الذي يلائمه ويناسب استعداداته

انظروا ماذا فعلت المانيا حينما وجدت نفسها تستقبل آلاف اللاجئين، فهي لم تتركهم يبحثون عن أي عمل يوفر لهم متطلبات الحياة، بعد هوان اجتياز حدود دول تحت وطأة شتاء ثلجي، بل تعاملت مع هؤلاء اللاجئين باعتبارهم ثروة بشرية ينبغي الافادة منها، وأيضا باعتبار هذه الثروة تعويضا لألمانيا عن فقر الانجاب والنمو الديموجرافي الذي تعاني من ضآلته.

ومن دون تضييع وقت أعلن وزير داخلية ولاية سارلاند الألمانية عن بدء تطبيق مشروع رائد يسعى للتعرف على مواهب اللاجئين الجدد من أجل تسريع دمجهم بالمجتمع الألماني، عبر اختبار للذكاء، لاكتشاف أصحاب المواهب والتعرف على الفئة المهنية التي ينبغي إلحاقهم بها مباشرة، أو معرفة الأماكن التي ينبغي تدريبهم فيها»

ففي بلاد «العمة ميركل» لامجال للعشوائية في التوظيف واختيار المهن والقابلية للتدريب والعمل، وفيها ايضا ممنوع إهدار طاقات البشر أو العصف بكفاءتهم،كما فيها كذلك عقول تبحث عن عقول أخرى مبدعة يمكنها البحث والابتكار والاكتشاف والابداع وتنتج أفكارا مدهشة وجديدة.

ولهذا فبعد عقد أو عقدين من الزمن سوف نقرأ عن عظماء ونجباء من بين هؤلاء المهاجرين في المانيا ودول أوروبية اخرى، بل ان منهم من قد يتم توزيره، أو شغله لمناصب كبرى في مجتمعات الهجرة القسرية التي اضطروا إليها، لتتكرر وتتجدد قصص نبوغ بعض عرب المهجر، بعد ان تركوا مجتمعاتهم التي كانت تضن عليهم بفرص الابداع والبزوغ، وتوصد في وجوههم ابواب الرجاء والامل.

المفروض ان نتعلم من المانيا وغيرها الطرق المثلى للإفادة من ثرواتنا البشرية في مجتمعاتنا العربية، بالخصوص الشبابية منها، حتى لا يستمر نزيف الادمغة، وحتى تتوفر العقول التي تبدع في تغيير وجوه الحياة في مجتمعات غنية بالفقر، وفقيرة إلى التعليم الجيد والمعرفة واتاحة الفرص للنابغين، اذ لازلنا نعتقد ان الثروات في بواطن الارض اثمن واغلى من ثروات البشر التي يعيشون فوقها، بينما كل المتقدمين في عالمنا يتقدموا بعقول ابنائهم، من غير الحاجة لأية ثروات في الطبيعة.

بقلم : حبشي رشدي

copy short url   نسخ
26/04/2016
541