+ A
A -
نصير شمة، أو زرياب زمننا، أيقونة العود الذي اتحفنا بمعزوفاته كان قد اضطر للإقامة في مصر مع من قصدوها من ابناء العراق الشقيق، وانتقل من ضفاف دجلة إلى ضفاف النيل، موسيقي شهير في كل انحاء العالم وفي مصر ذاع صيته وأحبه المصريون، وعرفه ملايين صاروا يتابعون ابداعاته، بعد أن حنت وتشوقت الأذن العربية لدوزنة عود الراحل فريد الاطرش ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي، وعوادين آخرين قلة لم يعد يجود بهم الزمان بمثل ما كان يجود، بل إن نصير شمة شنف بعوده الجميل آذان الباكستانيين حينما شارك في مدينة لاهور الباكستانية مع عازف السيتار الباكستاني أشرف شريف خان بمعزوفات اصبحت على أقراص مدمجة يتداولها آسيويون كثر،

حكى لي صديق كيف ان نصير شمة أسهم بقدر كبير بتعليم العزف على العود في مصر، وفي إثارة الاهتمام بهذه الآلة الموسيقية التي تعد سلطانة آلات الموسيقى العربية، وأعاد الشباب إلى الارث الموسيقي العربي، بعد ان اختطفتهم الموسيقى الالكترونية بآلاتها التي غزت تخوتا وفرقا موسيقية، فنصير شمة الذي يعزف موسيقى اغنية كوكب الشرق: «أنت عمري» على عوده بيد واحدة أعاد الاعتبار للعود العربي وانقذه من تغول الجيتار وغيره من آلات موسيقى الالكترونية،

وحينما شارك شمة مؤخرا بمهرجان أيام قرطاج الموسيقية التونسي عرضوا عليه عودا بدا غريبا، انه ليس مصنوعا من الاخشاب الثمينة التي يصنع منها الاعواد في العراق ومصر والشام وتونس ولبنان، ولكن صندوقه الصوتي مصنوع من ألياف الكربون، وهو من ابتكار باحث تونسي يدعى الطاهر بن سويسي، الذي يقول عن ابتكاره: هذه ثمرة مجهود جماعي وعدة تجارب.. حاولنا من خلالها صناعة عود من ألياف الكربون بطريقة علمية قريبة من الصحيحة، يتميز بنوعية جيدة على المستوى الميكانيكي والجانب الجمالي المتمثل في جودة الصوت وقوته وشدته.

انها من المرات القليلة جدا في امتنا التي يتحالف فيها العلم والفن من اجل انتاج جديد، فالقطيعة بينهما ضاربة في القدم، ولكن شمة قال عن عود «الكربون»: ندعم كل التجارب التي تتميز بالجرأة ومبنية على العلم والابتكار ورغبة حقيقية في التطوير، ومن الجميل أن أيام قرطاج الموسيقية اهتمت بتفاصيل التفاصيل.. لم تقدم العروض الموسيقية فقط بل منحت أهمية للمطبخ الخلفي للفنون الذي يعزز التجارب ويعمقها ويجعلها غنية، وأن صناعة العود تحسنت في جودة الصوت والأخشاب والأوتار، لكن عود الكربون هو تغيير جذري في المادة الخام التي تصنع منها الآلة، فالصوت صوت عود ومتوازن في قراراته وجواباته وأعتقد أن هذه الخطوة ستساهم مساهمة حقيقية في تطور صناعة الآلات الموسيقية خاصة التي تصنع من الخشب».

أي أن شمة أعطى لهذا الابتكار علامة جودة يمكن ان تحولها إلى صناعة، ويمكن ان يضاف للفكرة المزيد من الابحاث التي تضاعف من جاذبيتها وفوائدها، ومن الجميل ايضا أن يحضر العلم في مهرجانات الفن، وألا يغيب الفن عن مناسبات العلم، وان يزيد اعتمادنا على البحث العلمي لقهر ظروف وقسوة الطبيعة وتحسين وجوه الحياة، فلا اعرف سببا: لماذا التقصير العربي حتى الآن في ابحاث ترخيص تحلية مياه البحر من اجل أمة تشرب مياه أنهار لا تنبع من أراضيها، وتتكبد الكثير في تحلية مياه البحر بعد نضوب الكثير من خزاناتها الجوفية، ولا اعرف أيضا سببا للقصور في الاستغلال الاقتصادي والصناعي للنخيل العربي، وتحويل سعفاته إلى ألياف سليلوز، أو مادة خام للورق وغيره، باعتبار ان ثروة الامة من النخيل لا يتوفر مثلها في العالم؟

بقلم : حبشي رشدي

copy short url   نسخ
18/04/2016
522