+ A
A -
في قاهرة المعز بين الصيدلية والاخرى صيدلية ثالثة، أي ان عدد الصيدليات زاد زيادة كبيرة ولافتة، وهذا يعني اولا: زيادة عدد المرضى الذين يتعالجون بكيمياء الدواء، بعد أن اخفق الطب البديل في اقناع الناس بجدواه، اثر الحملات التي استهدفت اباطرته الدخلاء الذين كانوا يحققون أرباحا خيالية، وثانيا: تعني هذه الزيادة في عدد الصيدليات أن تجارة الدواء تحقق ارباحا معقولة، والا لبحث اصحابها الصيادلة عن الاستثمار في مجال آخر، أو لقاموا بإيداع مدخراتهم في البنوك، وثالثا: يعني ذلك ايضا ان هناك زيادة هائلة في عدد خريجي الجامعات من الصيادلة، وان جزءا من هذا العدد الكبير يمتلك صيدليات، وجزءا ثانيا لا يمتلك، ولكنه يعمل في هذه الصيدليات الخاصة، وجزءا ثالثا لا يجد فرصة عمل لا في الصيدليات الخاصة أو الحكومية أو في مصانع الادوية، مما جعل البعض يطالب بتقليص القبول بكليات الصيدلة، أو اغلاق عدد من هذه الكليات اذا اردنا الربط بين مخرجات التعليم واحتياجات المجتمع، خاصة وان الطلاب الذين يلتحقون بكلية الصيدلة، من المتفوقين في الثانوية العامة، ويمكن الافادة منهم في مجالات تعليم عالي أخرى.

ما اسلفته بعض حصاد نقاش على مقهى مع صديق صيدلي قديم كان حلمه ان يلتحق بكلية الطب، على الاقل لكي يحقق الخمسة «عين»، وهي خمسة اهداف يبدأ أسم كل منها بحرف «العين»: عروسة، وعربية «سيارة»، وعمارة، وعيادة، وعزبة، ولكنه لم يحصل في الثانوية العامة على المعدل المطلوب، ففضل مهنة قريبة من الطب، فحينما لم يتوفر «الخوخ» رضي بتجرع شرابه، على حد ما وصف حاله بهذا القول المأثور.

حاولت التهوين من أمره بالقول ان الصيدلي الحديث يشارك الطبيب في وصف الدواء للمريض، ولكن الرد كان لديه جاهز: الصيدلي الذي تتحدث عنه يوجد في المجتمعات المتقدمة، أما في مجتمعنا فان الصيدلية صارت شبيهة بالسوبرماركت.

ويضيف وهو يتأسى: لو «ركنت» الضمير على الرف، لبعت ادوية عليها طلب هائل، مثل الفياجرا، التي لا يخجل البعض طلبها دون حياء: «عندك فياجرا؟»، فارد عليه: هل وصفها لك طبيب، وهل لديك تذكرة دواء تصف لك الفياجرا، فأن نفى الزبون، فلا ابيعه الفياجرا، كما انني غالبا لا ابيع المضادات الحيوية كما تفرط صيدليات اخرى في بيعها دون وصف طبيب، ولهذا صار عدد زبائني اقل من زبائن صيدليات اخرى بالقرب مني، تبيع يوم الخميس من كل اسبوع بآلاف الجنيهات من المقويات الجنسية بأنواعها.

احترمت في هذا الصديق الصيدلي تفضيله المبادئ والضوابط المهنية على الجوع للتربح بأي طريقة كانت، ولكنه يجلس على المقهى مثلي يضرب أخماسا في أسداس، ويقول ما يمكن ان تراه من خلال صيدلية تمرين على الحياة، فتجد اناسا يحاول المرض ان يهزمهم، ولكنهم يتشبثون بالحياة من خلال ما صار يتوفر في صيدليات اليوم من ادوية جعلتها تشبه ترسانة من الاسلحة الفتاكة بالامراض ومسبباتها، كما يلاحظ ان معظم زبائن الصيدليات صاروا من خريفي العمر، ولهذا يقول لي بثقة: تأكد انه يقترب اليوم الذي لن تجد فيه أم الدنيا تشكو زيادة المواليد، فالمجتمع يتشيخ، وربما لا تلمح ذلك الا من خلال استهلاكه للأدوية.

بقلم : حبشي رشدي

copy short url   نسخ
12/04/2016
559