+ A
A -

كعادة أميركا في تصدير الأزمات الاقتصادية للعالم، أعلنت ثلاثة بنوك هناك، سيليكون فالي وسيلفر جيت وسيجنتشر الإفلاس، فأحدثت بذلك ضجيجا وأوجدت قلقا بين الناس لم ينحصر فيها وحدها، ولكنه خرج منها ليمتد ويطول كل الدول بما فيها دولنا العربية، ذلك لأن أي خلل في شغل البنوك أصبح يثير الفزع والشكوك، خاصة مع نظم الرقمنة المصرفية التي وضعت جميع المواطنين على تماس مع المؤسسات المصرفية عبر صرف المرتبات والتحويلات المالية وخدمات الدفع الإلكتروني في الممارسات التجارية صغيرها وكبيرها، وأكثر الناس قلقا هم المودعون الذين لجأوا إلى شهادات الادخار باعتبارها ملاذا آمنا.

في هذا المقال نحاول أن نصف مشهد الإفلاس هذا وأسبابه وتداعياته، وكيف يمكن للأفراد أن يتفادوا أخطاره ويحتاطوا من تكراره، إذا ما وقع نفس السيناريو في المستقبل، ذلك لأنه كما يقال في المثل الشعبي لا يزال الحبل على الجرار، معتمدين أسلوبا بسيطا واضحا للجميع متخصصين وغير متخصصين.

كانت البداية في الثامن من مارس الحالي حين أعلن بنك سيلفر جيت كابيتال الذي يمتلك أصولا تقدر بأحد عشر مليار دولار ويعمل بمجال العملات الرقمية المشفرة إيقاف عملياته وبدء تصفية أصوله، وبينما الناس في صدمة من هول هذا الإعلان جاءت الصدمة الأشد بعدها بيومين، ففي العاشر من مارس تم الإعلان عن إغلاق بنك سيليكون فالي التجاري الذي يتعامل في المقام الأول مع قطاع التكنولوجيا والشركات الناشئة، ويحتل المركز السادس عشر من بين 2124 بنكا أميركيا، بحجم أصول تقدر بمائتي وعشرة مليارات دولار، ومؤمن على أموال مودعيه حتى 250 ألف دولار للمودع، أي أنه أحد البنوك العملاقة التي لا يتخيل أحد له هذه النهاية المؤسفة، وفي ذروة الصدمة وفي صبيحة يوم 13 مارس استيقظ الناس على كابوس مؤلم بخبر أكثر إيلاما وهو إغلاق «سيجنتشر بنك» أبوابه، وهو أحد أكبر وجهتين في الولايات المتحدة لشركات التشفير، ولديه ودائع تبلغ 88 مليار دولار ونصف، وأفاد بيان الإغلاق بأن جميع المودعين سيحصلون على أموالهم، وأرجعت هذه البنوك سبب إفلاسها إلى مخاطر نظامية تتجنبها الولايات المتحدة الأميركية.

جاء هذا الإفلاس بمثابة حالة اقتصادية كارثية خيمت على العالم كله، المتسبب الأول والوحيد فيها قولا واحدا هو البنك الفيدرالي الأميركي، بارتكابه أخطاء كبيرة لا يزال يمارسها حتى الآن، تتمثل في الرفع التدريجي للفائدة، ولتوضيح هذا نوضح أن هناك قاعدة مصرفية يعرفها كل من يعمل في قطاع البنوك أو يتعامل معه مفادها كلما ارتفعت أسعار الفائدة انخفضت أسعار السندات، وكانت استثمارات البنوك التي أفلست محصورة في السندات بفائدة حوالي اثنين ونصف في المائة، ثم جاء البنك الفيدرالي الأميركي وأعلن زيادات في أسعار الفائدة مرات متتالية لمكافحة التضخم حتى وصلت خمسة في المائة تقريبا، وفي هذه الحالة لا يجوز لأي بنك أن يعطي فائدة أقل مما قرره الفيدرالي، ومع هذا الرفع المتتالي لأسعار الفائدة اندفع المودعون وأغلبهم من الشركات التكنولوجية الناشئة، وتلك التي تتعامل بالعملات المشفرة لسحب أموالهم لتوفير سيولة مالية لمواصلة العمل ودفع المرتبات، فاضطر بنك سيليكون فالي إلى بيع استثماراته بخسائر فادحة، الأمر الذي حال دون قدرته على استكمال عمله، كما عانت بقية البنوك المفلسة من أزمة سيولة ناتجة عن خسائر غير متوقعة في محفظة القروض.

كلنا نعرف المثل القائل «إذا عطست أميركا أصيب العالم كله بالزكام»، وهذا ما يحدث الآن، فتداعيات الأزمة امتدت إلى استراليا وسويسرا وبريطانيا وغيرها، فهبطت أسهم بنوكها، وفي عدد من الدول العربية يتوجس المودعون خيفة من التعرض لنفس السيناريو، وأعلنت دولة الكويت تأثرها بالأزمة وإن كان تأثيرا طفيفا.

أخذت الحكومة الأميركية تعمل على بث الطمأنينة في قلوب المودعين، وخرج الرئيس بايدن على الناس ليعلن أن كل من له أموال لدى هذه البنوك سيحصل عليها بالكامل، كما أن مؤسسة التأمين الفيدرالية (FDIC) أنشأت كيانًا لحماية المودعين المؤمن عليهم لدى بنك سيليكون فالي حتى الحد القانوني البالغ 250 ألف دولار، ولكن ما يقرب من 85% إلى 90% من ودائع البنك غير مؤمنة، وعادة في حالة فشل البنك، يستعيد المودعون الخاضعون للتأمين أموالهم بخصم 15% إلى 20%، وسيكون هذا بلا شك صعبًا للعديد من العملاء، أما غير المؤمن عليهم فمصيرهم مجهول حتى الآن، ولأن رسائل الطمأنينة هذه لا تزال حتى الآن مجرد حديث نظري، فالمودعون في البنوك الأخرى أخذوا يفرون بأموالهم إلى ملاذ آمن غير البنوك رافعين شعار «الوداع لا الإيداع».

السؤال الكبير والأهم الآن هو: كيف يحمي الأفراد العاديون مدخراتهم من مثل هذه المخاطر؟.

الجواب بالنسبة لمنطقتنا الخليجية يبعث على الاطمئنان، لأن البنوك والمصارف المركزية ضامنة لأموال المودعين، كما أنه من الضروري لكل من يودع أموالا لدى البنوك وضع المدخرات في أكثر من بنك، على الأقل ثلاثة بنوك حسنة السمعة، وغير هذا لا مفر بعد الآن من اكتساب قسط من الثقافة المصرفية، ومبدئيا توجد مجموعة من الإرشادات أهمها اختيار بنك لديه نظام تأمين على أموال المودعين، وقيمة أصوله لا تقل عن مجمل إيداعاته، وأن يكون خاضعا لمقررات لجنة بازل وهي قواعد صارمة يجب على كل بنك خاضع لها اتباعها حتى لا تحدث كارثة الإفلاس، وتتلخص في التغلب على المخاطر التالية:

مخاطر التشغيل: أي مخاطر النظام المستخدم داخل البنك وتحصينه ضد القرصنة، ومخاطر انفراد أحد الموظفين باتخاذ قرارات مصيرية، دون الرجوع إلى مديره أو الإدارة العليا.

مخاطر السوق: مثل ارتفاع وانخفاض أسعار العملات، وإفلاس إحدى الدول أو الشركات بما يؤثر في استثمارات البنوك.

مخاطر الائتمان: وهي المخاطر المحيطة بالمشروعات والأفراد الذين يقوم البنك بإقراضهم.

وسلامتكم من المخاطر بكل أنواعها.

copy short url   نسخ
28/03/2023
2240