+ A
A -
الدوحة الوطن

قال فضيلة الداعية د. محمد حسن المريخي خلال خطبة الجمعة التي ألقاها بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب: يا أيها الناس اتقوا الله تعالى وعظموه واعبدوه واشكروا له وتفكروا فيما يغدق عليكم من النعم والمنن والآلاء «يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون»

فقد دار الزمان واستدارت الأعوام وتقلب الليل والنهار، حتى طرق أبوابنا شهر رمضان وعدنا للصيام والقيام وتلاوة القرآن تسير بنا الأيام عجلا ونحن فيها لاهون لاهثون، وأعمارنا تنتقص وتقصر ونحن غافلون، وتحيط بنا الشواغل وتشغلنا عما نحن به مطالبون، وغدا عنه مسؤولون «فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون»، مرت بنا أعوام وأعوام، وأخذت المنايا فيها من شاء الله تعالى أن يموت وأبقت من شاء الله أن ينتظر، ذهبت أمم وزالت دول واضطربت أحوال وتغيرت أجواء وسقطت عروش، وهلك جبابرة وطغاة وظلمة، دوامة من الأحداث والأحوال المتسارعة، اغتر فيها أو بها مغرورون وفرح فيها متجبرون، أحداث لا يعلم مداها إلا علام الغيوب، ولا يدرك غورها إلا العليم الخبير جل جلاله، ويأتي رمضان بفضل الله ليفرح الله تعالى عباده المؤمنين ويسعدهم بطاعته وذكره والقرب منه، فرمضان شاطئ ترسو عليه سفن القلوب المؤمنة، وترابط عليه سفن النفوس الموحدة. لترتشف من رحيق الصيام والإخلاص. وتبتل من ندى الإيمان وترتوي فيه الأرواح من عذب زلال الإسلام وشرائعه. بعد جفاف ريقها وتترطب الأفئدة بعد ظمأ القسوة والبعد عن الطاعة والعبادة، وكأن الله تعالى بفضله ومنته يبلل الأرواح ويرطب القلوب في كل وقت وحين بمجيء رمضان، والإقبال على الصيام والقرآن والطاعة.

وأوضح الخطيب أن من أعظم المنن الربانية على العبيد تفضل الله تعالى عليهم ببلوغ رمضان وإعطائهم الفرصة للنجاة والفوز والعتق من النيران، فرمضان عباد الله كنز المتقين وبهجة السالكين وراحة المتعبدين «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان». وطاعة الله تعالى شرف يشرف الله بها من أحبه وقربه من عباده، والوقوف بين يديه جل جلاله نعمة ومنة وهيبة من الله.

وأضاف: الصيام يا عباد الله «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» لما في الصيام من الإخلاص لله، بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة بفضل هذه العبادة المباركة وثوابها حتى خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، والصيام سبب لمحو الذنوب كلها والتخلص منها «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» كما أنه ستر ووقاية من النار، الصيام جنة يستجن بها العبد من النار، الصيام حصن حصين عن النار والشرور والمحن، «من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا».

وأردف: ولمقام الصيام وأهله عند الله، جعل الله لهم بابا في الجنة يدخلون منه لا يدخل منه إلا الصائمون يسمى الريان «إن في الجنة بابا يقال له الريان يقال يوم القيامة أين الصائمون فيقومون لا يدخل أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد»، هذه بعض البشارات من الله ورسوله وهذه بعض الجوائز للصائمين تنتظرهم يوم الدين حتى يعطي الله تعالى الصيام والقرآن حق الشفاعة يوم الدين يقول الصيام يا ربي منعته الطعام والشراب والشهوة في النهار فشفعني فيه ويقول القرآن يا ربي منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان.

وتابع: شهر رمضان شهر ملأه الله من الخيرات والرحمات لعباده، ففيه ليلة خير من ألف شهر، ولله فيه عتقاء من النار في كل ليلة، وقد صفد الله تعالى فيه الشياطين، وربط مردة الجن وغلق أبواب النيران في شهر رمضان، وفتح فيه أبواب الجنان وفيه مناد ينادي في كل ليلة يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر فلا ينشغل عن الشهر عباد الله، ولا يشرد شرود البعير عن رحمات الله في شهر رمضان إلا من سفه نفسه وأتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.وذكر د. المريخي: القرآن، وما أدراكم ما القرآن حجة للعبد أو عليه يقول عليه الصلاة والسلام «والقرآن حجة لك أو عليك هو حبل الله الميتين ونوره المبين، والذكر الحكيم طرفه عند الله، والطرف الآخر بيد الناس هو أعظم كتاب في الكون، كلام الله القهار يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، يهدي للتي هي أقوم فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم هو الصراط المستقيم. لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يمله الأتقياء، ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه من حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن تركه من جبار قسمه الله».

ولفت الخطيب إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصح الأمة أن تلتفت إلى كتاب الله عز وجل وسنته وشرع الله إذا أراموا العلا والسلامة والعافية والنجاة في الدنيا والآخرة يقول صلى الله عليه وسلم «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه» رواه مسلم، ويقول اقرؤوا البقرة وسورة آل عمران اقرؤوا الزهراوين، وقال عنهما: فإنهما تأتي غيايتان أو غمامتان تظلان صاحبهما يعني في الموقف من حر الموقف. وقال صلى الله عليه وسلم «من قرأ حرفا من كتاب الله فله بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف» ويقول «اقرؤوا البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة وهم السحرة، أو هم البطالة والكسالى نسبة للكسالى فلا يستطيعونها لانغماسهم في الباطل والعمى عن الحق».

القرآن يا عباد الله حجة للإنسان أو حجة عليه بالعمل به وتلاوته أو بتركه وهجره، والناس في هذا الزمان في هجر كبير للقرآن وانشغال عنه، عندهم وقت لكل شيء إلا للقرآن، لقد هجر القرآن هجرا عظيما، حتى أعجمت الألسن وانحرفت، «وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا» يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ما كان بين إسلامنا وبين معاتبة الله لنا بهذه الآية إلا أربع سنين «ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون»، فما بال أقوام تقسو قلوبهم أمام كتاب الله علام يقرأ أقوام القرآن لا يجاوز تراقيهم، وعلامهم يكثر ضحكهم ويقل بكاؤهم؟ ألا يقرأون قول الله تعالى «أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون»، أفلا يقفون على قصص هؤلاء الكفار الذين قرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فأدهشهم وأذهلهم وناشدوه الرحم ناشدوه الله والرحم، أن يتوقف عن القراءة مما نزل في قلوبهم من الرعب والخوف وحتى بعض الكفار اليوم الذين سمعوا القرآن فأذهلهم وقالوا كما قالت الجن إنا سمعنا قرآنا عجبا، وكما قال الوليد بن المغيرة إن له لحلاوة فما هذه القساوة في القلوب «أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها».

واختتم الخطبة قائلا: إن رمضان شهر القرآن، رمضان فرصة ليعود المسلم إلى رحاب ربه والقرآن يغسل القلوب بالقرآن، وعمروها بالآيات البينات وطهروها بالمواعظ والوعد والوعيد فالقلوب ظمآنة نزل بها الجفاف فقست وانقلبت ومرضت وماتت في الأجواف وأصحابها لا يشعرون، فاتقوا الله يا عباد الله واغتنموا الشهر ورحماته وبركاته، واحرصوا عباد الله على العمل الصالح في هذا الشهر الفضيل وأبشروا بكرم الكريم سبحانه.

copy short url   نسخ
25/03/2023
35