+ A
A -

تندرج مخاطر التعنيف الأسري تحت بند الأخطاء التي تسرق من المستقبل فالعواقب «بِكُلفة عُمْر» من زيجات، خيارات دراسية أو وظيفية مهدرة للحياة.

- لطالما كان لأوامر الآبائية في نفوس الأبناء ما لا قبل لهم على الاستهانة بها ولا على استساغتها بأريحية، فيضطرون للإذعان حتى تؤول نفوسهم لشراذم تتفاقم فيها شُعلة النقمة لتراكمات تلك ضغوط.

ومع هذا، يصعب على الأهل الاعتراف بالخطأ، فيكون إغراق الأبناء بمشاعر التقصير ونكران الجميل خيارًا أسهل للاطمئنان لكون صِغارهم يشعرون بالصَغَار أو المديونية المعنوية للأبوين، فإغراق الأبناء بمشاعر الذنب لهو تأمين معنوي غير مُكلف، بل جَالِب للعَطْف وطَارد للتكاليف ومعفي من المسائلة.

-الاحتفاء بالصغار في تلك الأسر قيد «سمعنا وأطعنا» فبعض الآباء يشرطون اسْتِعْدَادهم لإلقاء عظمة حنو أو حشفة حنان بحيازة أبنائهم لنوط التفوق أو نيشان الإذعان. فيصل للصغار استحالة السماح لهم بكفاءة أدنى من أترابهم، فهم محط مقارنات مجحفة مع الغير لا تضع بعين الاعتبار الفروق الفردية أو الظروف الاجتماعية، الاقتصادية أو الميول، القدرات أو العجز، أما الرفق فسيصلهم كمكعب سكر يقدمه الحوزي للحصان في أويقات الصفا إن أحسن السلوك، ولم يخرج عن سير القطيع.

فلا عجب إن أصيب الابن بمتلازمة «امبوستر» فيؤمن باستحالة تحقيقه لأي مُنْجَز، وإن حقق نجاحات مدوية يظل معتقدًا أنه نصّاب خدع مُحيطَه، وهو ما صرّحَ به أَشْهَر إعلامي عربي.

بالمقابل، فجُل أخطاء الأهل مع الأبناء لها مسوغاتها التي تنحصر في استخدام الشدّة لمصلحتهم كضرائب الحكومة المفروضة لمصلحة الشعب!

كأنهم وجدوا في مصطلح «مصلحة» معاذير لتبرير مجافتهم للرفق في التهذيب.

هاتفت يومًا سيدة، فحدثتني باللطف في منتهاه، ثم استأذنت، فنادت وحيدتها كما يصرخ أحدهم على جروه «روي» لتُسْمعُني كيف أنها تَأمُر فتُطَاع.

-لقد أردت أن أكون كل شيء لم تكنه لي أمي: هكذا اعترفت لي «ايلودي» صديقتي الفرنسية، ثم أردفت:

مع هذا، أدخل يوميًا في صراعات تافهة فأقارع ولدي لحثه على قصّ شعره وقد أدعو صديقاتي للضغط عليه، عدا أوامر المذاكرة وغلق مقابس المكيفات ونزاعات الهاتف.

ترى، لم نُهَذب براعمنا بالسيوف ثم نسقى سواهم من لذائذ أصواتنا الندية؟

كان وسيظل رأيي أنه لاغنيمة من معركة تكون كُلفتها علاقة سيّئة مع ولدك مهما كانت مسوغاتها.

ثم أن الأبناء يجهلون كلفة «اللوجستيات» التي نتكبدها بقدر ما يحزّ في نفوسهم رؤية بيوتهم مزيّنة للضيوف الذي تقدم لهم القدور الحاتمية فيما يُلْقَى لأبناء الدار قُدير شِواء مُضَهَب، والمؤسف أنهم يُضْمِرون الحِنْق، فكسر الخاطر يُدفن في الذاكرة بل لربما يحيا فيها للأبد، وتبقى الحموضة يلجمها الخوف المستشعر أمام الأهل في ظل سوابق الإنكار التي قوبلوا بها مرارًا حين اعترفوا بمشاعرهم، ما يستدعي الكثير من التفسيرات والتفاصيل التي يصعب عليهم بلورتها في مفردات، عدا أن حجم التراكمات تتجاوز ذاكرتهم وقدرتهم على إطلاق العويل المعتمل في نفوسهم، أو خشية الإفصاح عن حفريات التحقير المنحوتة في حمضهم النووي مدفوعين بعواطف مشوشة ومربكة جراء مهارة الأهل في عزف سيمفونية الرصاص والورود المُرْبِكة للإدراك.

صارحت صغيرتي: «أحسب أن نصيب الأم المعنفة من محبة الأبناء سينحصر في منشور رثائي على صفحات التواصل عقب رحيلها».

ضحكت وصدرت من خلف حلقومها «هاء» هازئة

ولا حتى هذا المنشور، ربما في الماضي كان الأبناء يغريهم التأكيد على كونهم نبت لسلالات طيبة، أما اليوم «الترند» فيتجه في إشهاد العالم على حجم التحديات التي واجهوها ممن كان يفترض الوثوق بأهليتهم لتقلد لقب أهل.

فيَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ أنجبوا قُوٓاْ أَنفُسَكُمْ وَبنيكُمْ ذيول قسوة قد تنشب في صلب العلاقة، ففواتير العنف تهدد أهلية الآباء لمكتبساتهم الموروثة بالمقدس.

copy short url   نسخ
18/03/2023
95