+ A
A -

وجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بضربته العسكرية في سوريا رسائل عدة لكل المعنيين بشخصه وسياسته في الشرق الأوسط كلها ذات مضمون واحد هو أن ما كان يجرى في عهد سلفه أوباما شيء وما يجرى في عهده شيء آخر مختلف تماما بكل ما يعنيه ذلك من نتائج سواء ما يتعلق بالدور الأميركي في مواجهة أزمات المنطقة أو علاقات بلاده مع الحلفاء أو الخصوم أو المتنافسين.
قبل أيام قليلة كان ترامب وكبار مسؤوليه بمن فيهم وزير الخارجية والمندوبة الأميركية في الأمم المتحدة قد أعلنوا بوضوح أن الأولوية لإدارة ترامب هي القضاء على الإرهاب لا إسقاط نظام الأسد. وفجأة وقعت المجزرة التي هزت ضمير العالم أجمع، أي ضرب «خان شيخون» بأسلحة كيماوية واتهام النظام السوري بمسؤوليته عنها. هنا بدأ التحول الملفت في الموقف الأميركي سارع ترامب بالإعلان أنه غير موقفه من الأسد، حيث شن هجوما حادا عليه مؤكدا أن إدارته لن تسكت على ما جرى وسترد بقوة لعقابه. وهو ما حدث بالفعل فجر الجمعة 7 أبريل عندما تم قصف قاعدة «الشعيرات» الجوية بصواريخ توم هوك.
هذه الواقعة حملت رسائل واضحة لكل الأطراف التي تابعت أداء الرجل الجديد في البيت الأبيض سواء داخليا أو إقليميا أو عالميا.
داخليا أكد ترامب لخصومه أنه ليس في جيب الرئيس الروسى بوتين كما كان يقال. قراره بالرد العسكري، إنما هو تحدى قوى لروسيا التي دأبت وسائل الإعلام الأميركية على اتهام ترامب بأنه تابع لموسكو. ولا شك أن تحقق قدر من النجاح المترتب على هذه الضربة يعيد قدرا من المصداقية لترامب على الصعيد الداخلي.
وإقليميا بدا ترامب أمام الأطراف النافذة المحسوبة في مربع الأصدقاء أو الحلفاء الجدد قيادة أميركية صادقة وموثوقا منها برغم ما صدر منها سلفا وأثار القلق.
وكثيرا ما تأملت هذه الأطراف أن تتخذ إدارة أوباما موقفا مشابها لما فعله ترامب طوال عمر الأزمة ولكنها لم تفعل. ولم يكن مفاجئا على صعيد الطرف الإقليمي الخصم أن تنزعج إيران وتلوح بأن ما جرى لن يمر دون رد، فقد بات واضحا أكثر من أي وقت مضى أن موقف ترامب المناوئ لطهران لا يقف عند مجرد البيانات والتصريحات وإنما يتعداها إلى الفعل المباشر، وهو هنا موجه إلى الفناء الخلفي لإيران داخل الساحة السورية.
وعلى الصعيد الدولي هناك أكثر من رسالة هدفها استعادة الدور الأميركي على الساحة العالمية بعد أن كان قد تراجع لصالح الدور الروسي. فقد أعادت الخطوة العسكرية الأميركية الثقة عند الحلفاء الأوروبيين بأن إدارة ترامب لن تغرد خارج السرب الأوروبي فيما يتعلق بالملف السوري. وبالنسبة لروسيا فالرسالة واضحة مضمونها أن الولايات المتحدة بقيادة ترامب أشهرت سلاح التحدي وقادرة على إنفاذه، وأنها تتعمد إحراج موسكو في المنطقة ككل، وأنه من الآن فصاعدا لا يجب التعامل مع واشنطن بالاستبعاد أو الإقصاء خصوصا في أية خطوات تتعلق بحل سياسي محتمل للأزمة السورية.
لقد أصبح التصعيد العسكري والسياسي هو السمة العامة للمشهد السوري بعد هذا التدخل الأميركي المفاجئ. روسيا أوقفت التعاون العسكري مع الولايات المتحدة وتتجه لتعزيز الدفاعات السورية، وإيران هددت بالرد. هذا التصعيد يطرح ثلاث ملاحظات، الأولى هي التغير في تكتيكات العمل العسكري باستعادة خبرة الحرب الأميركية على العراق 2003 عندما تم التركيز على توجيه الضربات الموجعة للمنشئات العسكرية من الخارج البعيد وغبر منظومة صواريخ توم هوك، والثانية هي تلازم العمل العسكري مع العمل الدبلوماسي بنفس القدر إن لم يكن بثقل أكبر للنوع الأول على عكس ما كان سائدا بتقديم العمل الدبلوماسي على العسكري. وأما الملاحظة الثالثة فهي رغبة إدارة ترامب في التعامل بأسلوب الصفقة لحل الأزمة السورية وهي حصيلة تنازلات ومكاسب متعددة من جميع الأطراف المعنية.
بقلم : د. عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
15/04/2017
2764